للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أجزائها الجماديَّة حياةً لا سيَّما وقد قال بعض المفسِّرين في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ﴾ [العنكبوت: ٦٤] إنَّ كلَّ ما في الجنَّة حيٌّ، ويحتمل أن يكون ذلك بلسان الحال، والأوَّل أَولى واختصامهما هو افتخار إحداهما على الأخرى بمن يسكنها، فتظنُّ النَّار أنَّها بمن أُلقِي فيها من عظماء الدُّنيا آثر (١) عند الله من الجنَّة، وتظنُّ الجنَّة (٢) أنَّها بمن يسكنها من أولياء الله تعالى آثر عند الله (فَقَالَتِ الجَنَّةُ: يَا رَبِّ مَا لَهَا) مقتضى الظَّاهر أن تقول: «ما لي» ولكنَّه على طريق الالتفات (لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ؟) بفتح السِّين والطَّاء، الضُّعفاء السَّاقطون من أعين النَّاس؛ لتواضعهم لربِّهم تعالى وذلَّتهم له (وَقَالَتِ النَّارُ: -يَعْنِي- أُوثِرْتُ) بضمِّ الهمزة وسكون الواو والرَّاء بينهما مُثلَّثةٌ، اختصصتُ (بِالمُتَكَبِّرِينَ) المتعظِّمين بما ليس فيهم (فَقَالَ اللهُ تَعَالَى) مجيبًا لهما: بأنَّه لا فضل لإحداكما (٣) على الأخرى من طريق من يسكنكما، وفي كلاهما شائبةُ شكايةٍ إلى ربِّهما؛ إذ لم تذكر كلُّ واحدةٍ منهما إلَّا ما اختصَّت به، وقد ردَّ الله (٤) ذلك إلى مشيئته فقال تعالى (لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي) زاد في «سورة ق» [خ¦٤٨٥٠] «أرحم بك من أشاء من عبادي» وإنَّما سمَّاها رحمةً؛ لأنَّ بها تظهر رحمته تعالى (وَقَالَ لِلنَّارِ: أَنْتِ عَذَابِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ) وفي «تفسير سورة ق»: «إنَّما أنت عذابٌ أعذِّب بك من أشاء من عبادي» (وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا) بكسر الميم وسكون اللَّام بعدها همزةٌ (قَالَ: فَأَمَّا الجَنَّةُ فَإِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَإِنَّهُ يُنْشِئُ لِلنَّارِ مَنْ يَشَاءُ) من خلقه (فَيُلْقَوْنَ فِيهَا) لأنَّ لله تعالى أن يعذِّب من لم يكلِّفه بعبادته (٥) في الدُّنيا؛ لأنَّ كلَّ شيءٍ ملكه، فلو عذَّبهم لكان غير ظالمٍ لهم ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ﴾ [الأنبياء: ٢٣] (فَتَقُولُ: ﴿هَلْ مِن مَّزِيدٍ﴾؟ -ثَلَاثًا- حَتَّى يَضَعَ) الرَّبُّ تعالى (فِيهَا قَدَمَهُ) مَن قدَّمه لها من أهل العذاب، أو ثمَّة مخلوقٌ اسمه القدم، أو هو عبارةٌ عن زجرها وتسكينها كما يُقال: جعلته تحت رجلي، ووضعته تحت قدمي (فَتَمْتَلِئُ وَيُرَدُّ) بضمِّ التَّحتيَّة (٦) وفتح الرَّاء (بَعْضُهَا إِلَى


(١) في (د): «أبرُّ»، وكذا في الموضع اللَّاحق.
(٢) في غير (د) و (س): «الأخرى».
(٣) في (ص) و (ع): «لأحدكما».
(٤) زيد في (د): «في».
(٥) في (ص) و (ع): «لعبادته».
(٦) في (د): «وتُرَدُّ، بضمِّ الفوقيَّة».

<<  <  ج: ص:  >  >>