للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أو يكون أبو بَكْرة أمر بالكتابة، فنُسِبَ إليه أنَّه كَتَبَ تجوُّزًا بالسَّبب عن المسبَّب، وفيه نظرٌ؛ لرواية النَّسائيِّ: قال عبد الرَّحمن بن أبي بَكْرة: كتب إليَّ أبو بَكْرة يقول: سمعت رسول الله يقول … إلى آخره، وفي روايةِ مسلمٍ: أن لا تحكم بين اثنين (وَأَنْتَ غَضْبَانُ) جملةٌ في موضع الحال، و «غضبان»: لا ينصرف، والغضب: غَلَيان دم القلب؛ لطلب الانتقام، وعند التِّرمذيِّ عن أبي سعيدٍ مرفوعًا: «ألا وإنَّ الغضب جمرةٌ في قلب ابن (١) آدم؛ أما ترون إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه؟» (فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ) الفاء في «فإنِّي» سببيَّةٌ: (لَا يَقْضِيَنَّ) تشديد النُّون تأكيدٌ للنَّهي (حَكَمٌ) بفتحتين، أي: حاكمٌ (بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهْوَ غَضْبَانُ) لأنَّ الغضب قد يتجاوز بالحاكم إلى غير الحقِّ، وعدَّاه الفقهاء بهذا المعنى إلى كلِّ ما يحصل به التَّغيُّر للفكر؛ كجوعٍ وشبعٍ مفرطين، ومرضٍ مؤلمٍ وخوفٍ مزعجٍ، وفرحٍ شديدٍ، وغلبةِ نعاسٍ، وهمٍّ مُضجِرٍ (٢)، ومدافعة حدثٍ، وحرٍّ مزعجٍ، وبردٍ مُنكَرٍ، وسائر ما يتعلَّق به القلب تعلُّقًا يشغله عن استيفاء النَّظر، وعن أبي سعيدٍ عند البيهقيِّ بسندٍ ضعيفٍ مرفوعًا: «لا يقضي القاضي (٣) إلَّا وهو شبعان ريَّان»، واقتصر على ذكر الغضب؛ لاستيلائه على النَّفس، وصعوبة مقاومته، بخلاف غيره. نعم؛ إن غضب لله؛ ففي الكراهة وجهان؛ قال البُلْقينيُّ: المعتمَد عدم الكراهة، واستبعده غيره؛ لمخالفته لظواهر الأحاديث، وللمعنى الذي لأجله نُهِيَ عن الحكم حال الغضب، ولو خالف وحَكَمَ وهو غضبان؛ صحَّ إن صادف الحقَّ مع الكراهة، وعن بعض الحنابلة: لا (٤) ينفذ الحكم في حال الغضب؛ لثبوت النَّهي عنه، والنَّهي يقتضي الفساد، وفصَّل بعضهم بين أن يكون الغضب طرأ عليه بعد أنِ استبان له الحكم (٥)؛ فلا يؤثِّر، وإلَّا فهو محلُّ الخلاف.

والحديث أخرجه مسلمٌ في «الأحكام»، وأبو داود في «القضاء»، والتِّرمذيُّ في «الأحكام»، والنَّسائيُّ في «القضايا»، وابن ماجه في «الأحكام».


(١) في (د): «بني».
(٢) في (د) و (ع): «نعاسٍ وضجرٍ».
(٣) في (د): «الحاكم».
(٤) في (ع): «بأنَّه».
(٥) «الحكم»: ليس في (د).

<<  <  ج: ص:  >  >>