للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كثيرٌ من النَّاس من قولهم للرَّئيس (١): يرحمُ الله سيِّدنا فخلاف السُّنَّة، وبلغني عن بعض الفضلاء، أنَّه شمَّت رئيسًا فقال: يرحمك الله يا سيِّدنا، فجمع الأمرين (٢) وهو حسنٌ (فَإِذَا قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ. فَلْيَقُلْ) له جوابًا عن التَّشميت: (يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ) حالكُم أو شأنكم.

قال في «الكواكب»: اعلم أنَّ الشَّارع إنَّما أمر العاطس بالحمد لِمَا حصل له من المنفعةِ بخروج ما احتقنَ في دماغهِ من الأبخرةِ. قال الأطبَّاء: العطسةُ تدلُّ على قوَّة طبيعة الدِّماغ، وصحَّة مزاجهِ فهي نعمةٌ، وكيف لا وهي جالبةٌ للخفَّة المؤدِّية إلى الطَّاعات فاستْدعِيَ الحمدَ عليها، ولمَّا كان تغيُّر (٣) الوضع الشَّخصيِّ لحصول حركاتٍ غير مضبوطةٍ بغير اختيار، ولهذا قيل: إنَّها زلزلةُ البدن أريد إزالة ذلك الانفعال عنه بالدُّعاء له والاشتغالِ بجوابهِ، ولمَّا دعا له كان مُقتضى ﴿وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا﴾ [النساء: ٨٦] أن يكافئه بأكثر منها، فلهذا أمر بالدَّعوتين الأولى لفلاح الآخرة (٤) وهو الهداية المقتضية له، والثَّانية لصلاحِ حاله في الدُّنيا وهو إصلاحُ البال، فهو دعاءٌ له بخير الدَّارين وسعادةِ (٥) المنزلتين، وعلى هذا قس أحكام الشَّريعة وآدابها. انتهى.

وقد ذهب الكوفيُّون إلى أنَّه يقول: يغفرُ الله لنا ولكم. وهذا الحديث (٦) أخرجه الطَّبريُّ (٧) عن ابن مسعودٍ وابن عمر وغيرهما. قال ابن بطَّال: ذهب مالكٌ والشَّافعيُّ إلى أنْ (٨) يتخيَّر بين اللَّفظتين (٩). وقال ابن رشدٍ: الثَّاني أولى؛ لأنَّ المكلَّف محتاجٌ إلى طلب المغفرة، والجمعُ بينهما أحسن إلَّا للذِّميِّ.

والحديثُ أخرجهُ أبو داود في «الأدب» والنَّسائيُّ في «اليوم واللَّيلة».


(١) في (د): «من قولهم يرحم الله الرئيس».
(٢) في (ب): «الأمر»، وفي (د): «الأميرين».
(٣) في (ب) و (س): «ذلك يغير».
(٤) في (د): «بفلاح الأخرى».
(٥) في (د) و (ص) و (ع) و (ج) و (ل): «سائر».
(٦) «الحديث»: ليست في (د).
(٧) في (د) زيادة: «انتهى».
(٨) في (د): «أنه».
(٩) في (د): «اللفظين».

<<  <  ج: ص:  >  >>