للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عن عمرانِ بن حصين: «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنَّة». فإن قيل: الحياءُ من الغرائزِ فكيف جعلَ من الإيمان. أُجيب بأنَّه قد يكون غريزةً وقد يكون تخلُّقًا، ولكنَّ استعماله على وفقِ الشَّرع يحتاجُ إلى اكتسابٍ وعلمٍ ونيَّةٍ، فهو من الإيمانِ لهذا؛ لكونهِ باعثًا على فعل الطَّاعة وحاجزًا عن المعصيةِ، ولا يقال: رُبَّ حياءٍ يمنعُ عن قولِ الحقِّ أو فعل الخير؛ لأنَّ ذلك ليس شرعيًّا (فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ) بضم الموحدة وفتح الشين المعجمة مصغَّرًا، العَدَويُّ البصريُّ، التَّابعيُّ الجليل: (مَكْتُوبٌ فِي الحِكْمَةِ) قال في «الكواكب»: هي العلم الَّذي يبحثُ فيه أحوال حقائقِ الموجوداتِ، وقيل: العلم المُتْقَنُ الوافي (إِنَّ مِنَ الحَيَاءِ وَقَارًا) حلمًا ورزانةً (وَإِنَّ مِنَ الحَيَاءِ سَكِينَةً) دعةً وسكونًا، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: «السَّكينة» بزيادة الألف واللام (فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ وَتُحَدِّثُنِي عَنْ صَحِيفَتِكَ) وفي رواية أبي قتادة (١) العدويِّ، عن عمران «أنَّ منه سكينةً ووقارًا لله، ومنه ضَعْفٌ» وهذه الزِّيادةُ متعيِّنةٌ، ولأجلها غضبَ عمران، كما قاله في «الفتح». وقال في «الكواكب»: إنَّما غضبَ لأنَّ الحجَّة إنَّما هي في سنَّة رسول الله لا فيما (٢) يروى عن كتب الحكمةِ؛ لأنَّه لا يدري ما في حقيقتَها ولا يعرف صدقَها. وقال القرطبيُّ: إنَّما أنكرَ عليه من حيثُ إنَّه ساقه في معرضِ من يُعارض كلام النُّبوَّة بكلام غيره، وقيل: لكونه خاف أن يَخْلِط السُّنَّة بغيرها، وإلَّا فليس في ذكر السَّكينة والوقارِ ما يُنافي كونه خيرًا، وفي رواية أبي قتادة: فغضب عمران حتَّى احمرَّت عيناهُ، وقال: ألا أراني أحدِّثك عن رسولِ الله وتعارض فيه. قال الحافظ ابن حجرٍ: وقد ذكر مسلمٌ في «مقدِّمة صحيحه» لبُشَير بن كعبٍ هذا قصَّة مع ابن عبَّاس تشعرُ بأنَّه كان يتساهلُ في الأخذِ عن كلِّ من لقيهُ. انتهى.

قلت: ولفظُ مسلمٍ عن مجاهد قال: جاء بُشَيرٌ العدويُّ إلى ابن عبَّاس فجعل يحدِّث ويقول: قال رسول الله ، قال رسول الله (٣)، فجعل لا يأذَنُ لحديثهِ ولا ينظر إليه، فقال: يا ابن عبَّاس ما لي لا أراك تسمعُ لحديثِي، أحدِّثك عن رسولِ الله ولا تسمعُ.


(١) في (د) و (ع): «عبادة».
(٢) في (ع): «ما».
(٣) قوله: «قال رسول الله »: ليس في (س).

<<  <  ج: ص:  >  >>