للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تتلوَّن تلوُّنًا فتضلُّهم عن الطَّريق فتُهلكهم، فنفى النَّبيُّ استطاعةَ الغول أن تضلَّ أحدًا. وفي حديث: «لا غُولَ ولكنْ السَّعالي» والسَّعالي سحرةُ الجنِّ، أي: ولكن في الجنِّ سحرةٌ لهم تلبيسٌ و (١) تخييلٌ، وفي الحديث: «إذا تغوَّلَتِ الغيلان فنادُوا (٢) بالأذَانِ» أي: ادفعُوا شرَّها بذكر اللهِ، فلم يرد بنفيها عدمَها إذ كانت، ثُمَّ زالت ببعثته . قال الطِّيبيُّ: «لا» الَّتي لنفي الجنس دخلتْ على المذكوراتِ فنفت ذَواتها، وهي غيرُ منفيَّة، فيتوجَّهُ النَّفي إلى أوصافها وأحوالها الَّتي هي مخالفةٌ للشَّرعِ، فإنَّ العدوى والصَّفر والهامَة والتِّوَلةَ (٣) موجودةٌ فالمنفيُّ ما زعمت الجاهليَّة إثباته، فإنَّ نفيَ الذَّات لإرادةِ نفي الصِّفات أبلغُ؛ لأنَّه من بابِ الكناية (وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ (٤)) أي: كفرارك (٥) (مِنَ الأَسَدِ) فما مصدريَّةٌ.

واستُشكلَ مع السَّابق وأكله مع مجذومٍ، وقال: «ثقة باللهِ وتوكُّلًا عليه»، المروي في [ابن ماجه] (٦). وأُجيب بأنَّ المراد بنفي العَدوى أنَّ شيئًا لا يعدي بطبعهِ نفيًا لما كانت الجاهليَّة تعتقدُه من أنَّ الأمراض تُعدي بطبعِها من غيرِ إضافةٍ إلى الله تعالى كما سبق، فأبطلَ اعتقادَهُم ذلك وأكل (٧) مع المجذومِ ليُبيِّن لهم أنَّ الله تعالى هو الَّذي يُمرضُ ويُشفي، ونهاهُم عن الدُّنوِّ من المجذومِ ليُبيِّن أنَّ هذا منَ الأسبابِ الَّتي أجرَى اللهُ العادة بأنَّها تُفضي إلى مُسبِّباتها، ففي نهيهِ إثباتُ الأسبابِ، وفي فعلهِ إشارةٌ إلى أنَّها لا تنتقلُ (٨)، بل الله هو الَّذي إن شاءَ سلبَها قُواها فلا تؤثِّر شيئًا، وإن شاءَ أبقاها فأثَّرتْ (٩) وعلى هذا جرى أكثرُ الشَّافعيَّة، وقيل: إنَّ إثباتَ العدوى


(١) في (م): «في».
(٢) في (ب) و (س): «فبادروا».
(٣) في (م): «النوء»، وهو الذي في «شرح المشكاة»، وهو الذي في صحيح مسلم (٢٢٢٠) كما سبق.
(٤) في (م): «وفروا … تفروا».
(٥) في (م): «كفراركم».
(٦) في الأصول كلها بعد: «المروي في» بياض.
(٧) في (ب) و (ص): «أكله».
(٨) في (ب) و (س): «تستقل»، كذا في «الفتح».
(٩) في (ص): «فتأثرت».

<<  <  ج: ص:  >  >>