للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

النَّهي بما هو فسقٌ، فما ليس بفسقٍ ليس بحرامٍ، قاله صاحب «الانتصاف» من المالكيَّة.

وقال في «المدارك»: وظاهرُ الآية تحريمُ متروك التَّسمية، وخصَّت حالة النِّسيان بالحديثِ، أو يجعل النَّاسي ذاكرًا تقديرًا، ومن أوَّل الآية بالميتة، أو بما ذُكِر غيرُ اسم الله عليه، فقد عدلَ عن ظاهر اللَّفظ، ولعلَّ المؤلِّف أشار إلى الزَّجر عن الاحتجاج لجواز (١) ترك التَّسمية بتأويلِ الآية، وحملها على غيرِ ظاهرها (٢) حيث قال:

(وَقوْلِهِ) تعالى: (﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ﴾) قال في «اللباب»: إبليس وجنوده (﴿لَيُوحُونَ﴾) ليوسوسونَ (﴿أَوْلِيَآئِهِمْ﴾) من المشركين (﴿لِيُجَادِلُوكُمْ﴾) ليخاصموا محمَّدًا وأصحابه بقولهم: ما ذُكِر اسم الله عليه فلا تأكلوهُ، وما لم يذكرِ اسمُ الله عليه فكلوهُ. رواه (٣) أبو داود وابن ماجه والطَّبريُّ بسندٍ صحيحٍ عن ابن عبَّاس (﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ﴾) في استحلالِ ما حرَّمه الله (﴿إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: ١٢١]) لأنَّ مَن اتَّبع غير الله في دينهِ فقد أشركَ به، ومن حقِّ المتديِّن أن لا يأكلَ ممَّا لم يذكرِ اسم الله عليه؛ لِمَا في الآية من التَّشديد العظيمِ.

وقال عكرمةُ: المرادُ بـ ﴿الشَّيَاطِينَ﴾: مردةُ المجوسِ ﴿لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ﴾ من مُشركي قريش، وذلك لأنَّه (٤) لما نزلَ تحريمُ الميتة سمعَهُ المجوس من أهل فارس، فكتبوا إلى قريشٍ وكانت بينهم مُكاتبة: إنَّ محمَّدًا وأصحابه يزعمون أنَّهم يتَّبعون أمرَ الله، ثمَّ يزعمون أنَّ ما يذبحونَه حلالٌ، وما يذبحه الله حرامٌ، فوقعَ في نفس ناس من المسلمين شيءٌ من ذلك، فأنزل اللهُ هذه الآية.

والحاصل من اختلافِ العلماء: تحريمُ تركها عمدًا ونسيانًا، وهو قولُ ابن سيرين، والشَّعبيِّ، وطائفةٍ من المتكلِّمين، ورواية عن أحمد لظاهر الآية. أو تخصيص التَّحريم بغير النِّسيان وهو مذهب الحنفيَّة ومشهور مذهب المالكيَّة والحنابلة لما سبقَ. والإباحة مطلقًا عمدًا أو نسيانًا وهو مذهب الشَّافعيَّة.

وروي عن مالك وأحمد محتجَّين بأنَّ المراد من الآية: الميتات وما ذُبح على غير اسم


(١) في (م): «بجواز».
(٢) في (ص): «غيرها».
(٣) في (م): «زاد»، وفي (د): «ورواه».
(٤) في (د): «أنه».

<<  <  ج: ص:  >  >>