كتاب المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة - ط الميمنة

قال: بينما نحنُ عندَ رسولِ اللهِ ﷺ نَتَذاكَرُ ما يَكونُ إِذ قال رسولُ اللهِ ﷺ: "إذا سمِعتُم بجَبلٍ زالَ عَن مَكانِه فصَدِّقُوا، وإذا سمعتُم برجلٍ زالَ عن خُلُقِه فلا تصَدِّقوا، فإنّه يَصِيرُ إلى ما جُبِلَ (عليه) (١) "، وهو مُنقَطِعٌ؛ فالزُّهريُّ لم يُدرِك أبا الدَّرداءِ (٢).

ولكن لهُ شَواهِدُ، مِنها: ما في "الأمثال" للعَسكريِّ من حديثِ أبي هُريرةَ مرفوعًا: "إنَّ مُغَيِّرَ الخُلُقِ كمُغَيِّرِ الخَلْقِ، إنّك لا تَستطيعُ أَن تُغَيِّرَ خُلُقَه حتى تُغَيِّرَ خَلْقَه" (٣).

ومِنها: ما في "المعجَمِ الكبيرِ" (٤) للطَّبَرَانيِّ مِن حديثِ عبدِ اللهِ بنِ رُبَيِّعَةَ (٥) قال: كُنَّا عندَ ابنِ مسعودٍ، فذَكَرَ القومُ رجلًا فَذَكرُوا مِن خُلُقِه، فقالَ ابنُ مسعودٍ: "أرأيتُم لو قَطعتُم رأسَه، أكُنتُم تستطيعُونَ أن تُعيدُوه؟ "، قالوا: لا، قال: "فَيَدَهُ؟ "، قالوا: لا، قال: "فَرِجْلَه؟ "، قالوا: لا، قال: "فإنكم لا تَستَطيعُوا أَن تُغَيِّروا خُلُقَه حتى تُغَيِّروا خَلْقَه" (٦).

= ورجاله رجال الشيخين، إلا أن الزهري لم يدرك أبا الدرداء.
(١) في النسخ الأربع: (إليه)، والتصويب من المصدر، وهو الصواب لغةً.
(٢) فالزهري ولد سنة خمسين أو بعدها، كما في "تهذيب الكمال" (٢٦/ ٤٤٠)، وتوفي أبو الدرداء سنة اثنتين وثلاثين. انظر: "تهذيب الكمال" (٢٢/ ٤٧٥).
(٣) أخرجه ابن أبي عاصم في "السُّنَة" (١/ ١٥٣) رقم (١٩٨)، وابن عدي في "الكامل" (١/ ٢٩٨)؛ من طريق بقية بن الوليد عن إسماعيل بن عياش عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة ﵁ به.
وإسناده ضعيف؛ بقية مدلس وقد عنعن، وإسماعيل بن عياش ضعيف في غير الشاميين.
(٤) "المعجم الكبير" (٩/ ١٩٩) رقم (٨٨٨٤، ٨٨٨٥)، من طريق أبي نعيم عن الأعمش عن مالك بن الحارث، ومن طريق زائدة عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى؛ كلاهما عن عبد الله بن ربيعة به.
وفي إسناده ضعف؛ الأعمش مدلس وقد عنعن.
(٥) عبد الله بن رُبَيِّعَةَ -بالتشديد- بن فَرقَدٍ السُّلَمِيُّ، ذُكِرَ في الصّحابةِ ونفاها أبو حاتمٍ، ووثقه ابن حبان. بخ د س. "التقريب" (٣٠٢).
(٦) وأخرجه هناد في "الزهد" (٢/ ٥٩٩) رقم (١٢٧١)، والبخاري في "الأدب المفرد" (١٠٧) رقم (٢٨٣) بالأسانيد السابقة إلى الأعمش. وقد تقدم الكلام عليها.