ورجالُه ثقاتٌ ما خلا أبا إسرائيلَ؛ ذكره ابنُ حبانَ في "الثقات" (٦/ ٤٣٨)، وقال الحافظُ في "التقريب" (٦١٨): "مقبول". لكنَّ الذي يظهرُ لي -والله أعلم- أنَّ حديثَ أبي إسرائيلَ هذا يُمشَّى؛ لأمورٍ: أولُها: أنَّ الراويَ عنه هو شعبةُ بنُ الحجاجُ، وشعبةُ -كما هو معلومٌ- لا يروي إلا عن ثقةٍ عنده غالبًا، ففي روايتِه عن أبي إسرائيلِ توثيقٍ ضمنيٌّ له. ثانيها: أنَّ توثيقَ ابنِ حِبَّانَ في هذه الحالةِ -وإنْ كان مما قد يقعُ له فيه الخللُ- فإنه يُستأنَسُ به، لا سيَّما وأنَّ أبا إسرائيلَ معدودٌ في التابعين، وقد قرَّر أهلُ العلم أنَّ المجهولَ من كبارِ التابعينَ أو أوساطِهم إذا سَلِمَ خبرُه من مخالفةِ الأصولِ وركَاكةِ الألفاظِ احتُمِلَ حديثُه وتُلُقِّيَ بحسنِ الظَّنِّ، وإنْ كان الراوي المنفردُ عنه من كبارِ الأثباتِ فهو أقوى لحالِه، ويحتجُّ بمثلِه جماعة كالنسائيِّ وابنِ حِبَّانَ. انظر: "ديوان الضعفاء" (٣٧٤)، و"الموقظة" (٧٩). وأبو إسرائيلَ كذلك؛ فهو من طبقةِ أوساطِ التابعينِ (من الثالثة كما في "التقريب")، وخبرُه تلقاه عددٌ من أهلِ العلمِ بالقبولِ كما سيأتي، والرَّاوي عنه هو الإمامُ شعبةُ بنُ الحجَّاجِ. ثالثُها: أنَّ عددًا من أهلِ العلمِ رأى ثبوتَ هذا الحديثَ الذي تفرَّدَ بروايتِه أبو إسرائيلَ. وبيانُ ذلك: أنَّ جعدةَ الجشميَّ ﵁ لم يروِ عنه إلا أبو إسرائيل، وقد حكمَ جمعٌ من أهلِ العلمِ بصحبةِ جعدةَ الجشميِّ بناءً على روايتِه لهذا الحديثِ، وفي ذلك حكمٌ منهم بثبوتِ هذا الحديثِ، وتوثيقٌ ضمنيٌّ لرواتِه. منهم: ابنُ معينٍ كما في "تاريخ الدوري" (٣/ ٤٦)، وأبو حاتمٍ كما في "الجرح والتعديل" (٢/ ٥٢٦)، والمزيُّ في "تهذيب الكمال" (٤/ ٥٦٢). ورابعُها: أنَّ عددًا من أهلِ العلم صرَّحَ بثبوتِ هذا الحديثِ. قال العراقيُّ: "إسناده جيدٌ" "المغني" (٢/ ٧٥٥)، وكذا قال البوصيريُّ "الإتحاف" (٤/ ٢٩٥)، والسخاويُّ -كما هنا-. وصحَّحَ إسنادَه الحافظُ في "التهذيب" (٢/ ٧٠)، لكنَّه بطرفٍ آخر، والحديثُ واحدٌ. (١) ذكره ضمن مصنفاته في "الضوء اللامع" (٨/ ١٩). (٢) "مناقب الشافعي" (٢/ ١٢٠).