والطريق الأولى أصح لأنها من رواية الحميدي عن سفيان، وهو أثبت الناس فيه. ولكن خالفه جماعة من الثقات، كما أخرجه وكيع في "الزهد" رقم (٥٢٣) وعنه أحمد في الزهد أيضًا (ص ٢٠٦)؛ وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" رقم (٢٦٣٦٦) عن عبد الله بن نمير؛ وأبو داود في "الزهد" رقم (٣٣٧) عن عبدة؛ والقاضي وكيع في "أخبار القضاة" (ص ٣٦) عن عبد الله بن إدريس؛ والخطيب في "الكفاية" (ص ٣٤٠) عن عبيد الله بن معاذ؛ خمستهم (وكيع، وابن نمير، وعبدة، وابن إدريس، وابن معاذ) عن زكريا عن عباس به موقوفًا. ولا شك أن الموقوف أرجح لكثرته، ثم إن هذه الأسانيد مدارها على الشعبي عن عائشة، وسماعه منها فيه كلام. قال ابن معين: "ما روي عن الشعبي عن عائشة فهو مرسل"؛ وكذلك قال أبو حاتم. انظر: "جامع التحصيل" (١/ ٢٠٤). وقال الحاكم: "الشعبي لم يسمع من عائشة"، وقال العجلي: "مرسل الشعبي صحيح، لا يكاد يرسل إلا صحيحًا"، وقال أبو داود: "مراسيله أحب إلي من مراسيل النخعي". انظر: "التهذيب" للحافظ (٢/ ٢٦٥). وعلى هذا، فرواياته المرسلة عن عائشة يعتبر بها. وثانيهما: طريق رجل من أهل المدينة عن عائشة. أخرجها ابن المبارك في "الزهد" رقم (١٩٩) ومن طريقه: الترمذي في "السنن" الزهد، رقم (٢٤١٤)، والبغوي في "شرح السُّنَّة" رقم (٤٢١٣)؛ قال ابن المبارك: أخبرنا عبد الوهاب بن الورد عن رجل من أهل المدينة قال: فذكر المكاتبة بين معاوية وعائشة، ثم قالت عائشة: أما بعد فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: فذكرت نحوه. قال الألباني: "رجاله ثقات رجال مسلم غير الرجل الذي لم يسم، ولكنه تابعي فيستأنس به، ويتقوى حديثُه بالطرق المتقدمة". وله شاهد عند تمام (١/ ٨٣) وعنه "الضياء في المختارة" (٩/ ٥١)، رقم (٢٧)، من طريق محمد بن سعيد بن أحمد القرشي -يعرف بابن التمار- ثنا علي بن عمرو بن عبد الله المخزومي ثنا معاوية بن عبد الرحمن ثنا حريز بن عثمان ثنا عبد الله بن بسر المازني فذكر نحوه مرفوعًا. قال الألباني "الصحيحة" (٢/ ٩٠): "هذا إسناد ضعيف، مَن دون حريز لم أعرفهم". والخلاصة: حديث عائشة صحيح مرفوعًا وموقوفًا، كما قال الألباني في "الصحيحة" (٥/ ٣٩٣).