ويروى مرسلًا من وجه آخر أخرجه أحمد في الزهد كما في: "المطالب العالية" (١٣/ ٥٤٤)، (ح ٣٢٥١) قال: حدثنا عفّان: ثنا أبان العطّار: ثنا أبو عمران الجَوْنِيّ: أَنّهُ بلغه أن جبريل ﵊ أتى رسول الله ﷺ وهو يبكي، فقال رسُول الله ﷺ: مَا يُبكيكَ؟، فقال ﵊: "وَاللهِ مَا جَفّتْ لِي عينٌ، مُنْذُ خلق الله تعالى النَّارَ، مخافة أَن أَعْصِيَه فيقذفني فيها". وهذا المرسل رجاله ثقات كلهم. وهو عند ابن أبي الدنيا في صفة النار (ص ١٣٥)، (ح ٢١٦) من طريق آخر عن أبي عمران بسند صحيح مرسلًا. وروى أحمد أيضًا في: "الزهد" (ص ٢٦)، (ح ١٤٥) قال: حدثنا إبراهيم بن جبلة، قال: حدثنا رباح قال حُدثت أن النبي ﷺ قال لجبريل: "لم تأتني إلا وأنت صارٌ بين عينيك، قال: إني لم أضحك منذ خلقت النار". قلت: رجال الإسناد ثقات لكنه معضل؛ ورباح هو ابن زيد القرشي. روى عن معمر وعمر بن حبيب المكي ومن في طبقتهم، وعدّه الحافظ في: "التقريب" (ص ٣١٧) من أصحاب الطبقة التاسعة، وهي الطبقة الصغرى من أتباع التابعين، كأمثال الشافعي ويزيد بن هارون. وعلى هذا فلا أقل أن يكون السقط أقل من ثلاثة والله أعلم. وروى ابن أبي الدنيا في: "الرقة والبكاء" (ص ٢٦٩)، (ح ٤٠٩)، قال ثني محمد بن حسين قال حدثنا أحمد بن محمد قال: حدثنا إبراهيم بن مخلد بن … زيد (كذا بالمطبوع) أن النبي ﷺ قال لجبريل: لا تأتيني إلا وأنت صارّ بين عينيك!، قال: إني لم أضحك منذ خلقت النار. قلت: وهذا إسناد معضل وفيه ضعف؛ وإبراهيم هو ابن مخلد الطالقاني، عدّه الحافظ في: "التقريب" (ص ١١٥) من أصحاب الطبقة العاشرة وهي كبار الآخذين عن تبع الأتباع ممن لم يلق التابعين كأحمد بن حنبل، وقد روى إبراهيم عن ابن المبارك وعبد الرزاق ومن كان في طبقتهم، فعلى هذا فلا يكون السقط بينه وبين النبي ﷺ أقل من ثلاثة رجال والله أعلم. وتلميذه لم أعرفه. فبمجموع هذه الطرق على اختلاف مخارجها قد تدل على أن للحديث أصلًا.