هذا وتعليل الحديث بمخالفة القلة للأكثر والأوثق أولى من تعليله باختلاط أبي إسحاق، وقد رواه عنه حفيده إسرائيل وشعبة وغيرهما من خواص أصحابه موقوفًا. والله أعلم. فالوقف هو المحفوظ في رواية الثلاثة، وإن كان في حكم الرفع، والظاهر أن ابن مسعود ﵁ استنبط ذلك مما رواه عن النبي ﷺ، قال: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكًا فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله، ورزقه، وأجله، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع، فيسبق عليه كتابه، فيعمل بعمل أهل النار، ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة". أخرجه البخاري (ح ٣٢٠٨، ٣٣٣٢، ٦٥٩٤)، ومسلم (ح ٢٦٤٣). وهذا الحديث هو الذي استدل به أبو سريحة حذيفة بن أسيد الغفاري ﵁ لأبي الطفيل عامر بن واثلة ﵁ لَمَّا استشكل ما تقدم من خطبة ابن مسعود ﵁، كما جاء عند مسلم (ح ٢٦٤٥) في الرواية الأولى التي ساقها المؤلف ﵀. وحديث الترجمة ورد مرفوعًا عن أبي هريرة وغير واحد من الصحابة ﵃، كما سيأتي عند المؤلف. (١) كذا قال المصنف ﵀، وكلامه يوهم أن الحديث عند البيهقي في "المدخل" بالطريق السابق -وهو طريق يونس بن يزيد الأودي، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود مرفوعًا- والذي وقفت عليه عند البيهقي في "المدخل" (ح ١٤٤) هو من حديث طارق بن شهاب عن ابن مسعود ﵁ موقوفًا، و (ح ٦٤١) من حديث الثوري عن عبد الرحمن بن عابس عن أناس عن ابن مسعود ﵁ به في حديث طويل من خطبة له ﵁، كما تقدم آنفًا. والله أعلم. (٢) كما في "كشف الأستار" (٣/ ٢٣)، رقم (٢١٥٠) و"إتحاف الخيرة" (ح ١٩٥/ ٢) من طريق عبد الرحمن بن المبارك الطفاوي، عن حماد بن زيد، عن هشام بن حسان به، بلفظ: "الشقيُّ مَن شقِيَ في بطن أمه، والسعيد من سَعِد في بطنها". وبنحوه أخرجه الرافعي في "تاريخ قزوين" (٤/ ٧٩).