أبي الفضلِ الشهابِ بنِ حجرٍ العسقلانيِّ، فكانَ أولُ سماعِهِ عليهِ في سنة ثمانٍ وثلاثينَ وثمانمائة -وعمره إذ ذاكَ سبعُ سنينَ-، ولازمَ مجلسَه حتى حملَ عنه علمًا جمًّا بحيث كان من أكثرِ الآخذينَ عنه، وأعانه على ذلك قربُ منزِله منهُ، فكان لا يفوتُه مما يُقرأُ عليه إلا النادرُ، وعلمَ الحافظُ شدَّةَ حرصِه على ذلك، فكان يرسلُ خلفَه أحيانًا بعضَ خدمه لمنزِله يأمرهُ بالمجيءِ للقراءةِ.
وقرأ عليه الاصطلاحَ بتمامِه، وسمع عليه جُلَّ كتبِه وأكثرَ تصانيفِه في الرجالِ وغيرِها، وأذن له في الإقراءِ والإفادةِ والتصنيفِ، وصلى به إمامًا التراويح في بعض ليالي رمضان، ولم ينفكَّ عن ملازمتِه ولا عدلَ عنه بملازمةِ غيرِه ولا ارتحلَ إلى الأماكن النائية، بل ولا حجَّ إلا بعدَ وفاتِه.
وبعد وفاةِ شيخه الحافظِ ﵀ سافرَ لدمياطَ -وكان إذ ذاك ابنَ إحدى وعشرين سنة- فسمعَ بها، ثم توجَّه في البحرِ للحجِّ فلقي بالطورِ والينبوعِ وجُدَّةَ غيرَ واحدٍ أخذ عنهُم، ووصل لمكةَ أوائلَ شعبانَ فأقام بها إلى أن حجَّ، وقرأ بها على جمعٍ من أهل العلم؛ كأبي الفتحِ المراغيِّ، والبرهانِ الزَّمزَميِّ، والتقيِّ بن فهدٍ وغيرهم.
وقرأ في رجوعِه بالمدينةِ النبوِيَّةِ على البدرِ بنِ فرحونَ وغيرِهِ من أهلِ العلمِ.
ثم رجعَ للقاهرةِ، ثم توجَّه لمنوفٍ العُليا، ثم إلى فيشا الصُّغرى، ثم ارتحل إلى الثغرِ السَّكَندَريِّ ودَسوق والمحلَّةِ وسَمَنُّود وغيرها من الديار المصرية.
ثم ارتحلَ إلى حلب، وسمع في توجهه إليها بسرياقوسَ والخانقاه وبلبيس وغزةَ والمجدَلِ والرملةِ وبيتِ المقدسِ والخليلِ ونابُلُسَ ودِمَشقَ وصالحيَّتِها والزبداني وبعلَبَكَّ وحمصَ وحماةَ وحلب وجبرين ثم بالمعَرَّة وطرابُلُسَ وغيرها من ديار الشام. وقال ﵀ في ترجمته لنفسه: وكلما انتهى حفظه لكتابٍ عرضه على شيوخ عصره.
وقد زادَ عددُ الأماكنِ التي ارتحلَ إليها من البلاد والقرى على الثمانينَ.