صلى النبي ﷺ الظهر والعصر قصرًا وجمعًا بالأبطح وذلك بعد نفوره من منى، وقبل طواف الوداع، وقد صلى الناس خلفه، وفيهم المكي وغير المكي، ولم ينقل أن النبي ﷺ أمر أهل مكة بالإتمام، كما لم ينقل أنهم أتموا، فهل تقولون: يجوز للمكي أن يقصر الصلاة في مكة بعد فراغه من النسك؛ لأن النبي ﷺ لم ينقل أنه أمرهم بالإتمام، ولم ينقل أنهم أتموا؟
أقام النبي ﷺ في مكة عام الفتح تسعة عشر يومًا يقصر الصلاة، وأهل مكة يصلون خلفه، وهم حديثو عهد بكفر، ولم يصح أن النبي ﷺ أمرهم بالإتمام، ولم ينقل أنهم أتموا.
إن قلتم: لعل النبي ﷺ لم يأمرهم؛ لأنه سبق أن بيَّن هذا الحكم لهم، واكتفى به، أو أن النبي ﷺ أمرهم ولم ينقل.
قيل: ما كان جوابًا لكم كان جوابًا عن صلاة المكي خلفه في عرفة ومزدلفة، فلعله لم يأمرهم بالإتمام يوم عرفة اكتفاء بأمر سابق، أو أنه أمرهم ولم ينقل.
ما دام أن القصر في المشاعر علته السفر، فلا فرق بين المحرم والحلال، كلاهما لا يقصران إلا في مسافة تصح أن تكون سفرًا حتى يثبت نص أن أهل مكة قصروا في عرفة، ولا يوجد.
قال ابن عباس لعطاء: لا تقصر الصلاة إلى عرفة، ولا إلى منى، ولكن إلى الطائف وإلى جدة، ومطلقه يشمل المحرم والحلال، والاستدلال به أولى من الاستدلال بالدليل العدمي، أنهم لو أتموا لنقل.
من أراد أن يعطي أهل مكة حكمًا يخالف حكم السفر خارج النسك، يلزمه أحد أمرين: إما أن يثبت أن القصر في عرفة علته النسك، ولم يقل به أحد من الأئمة الأربعة، أو ينقل نصًّا على أنهم قصروا أو أمروا بالقصر.
فتوى ابن عباس لعطاء لا يوجد ما يعارضها من أقوال الصحابة والتابعين وهو متفق مع قول الحنفية والشافعية والحنابلة فليس قولًا شاذًّا.
إذا تردد الإنسان في حكم القصر، فالأصل الإتمام، ولا ينتقل عنه إلا بيقين.