[المبحث الثالث في انقطاع القصر إذا عزم المسافر على الإقامة مدة معلومة]
المدخل إلى المسألة:
كل حَدٍّ للعبادة بزمن أو مكان أو عدد فلا بد له من دليل صحيح صريح، كالمسح على الخفين مسافرًا أو مقيمًا، وعدة المطلقة والمتوفى عنها حاملًا وحائضًا وآيسة.
لم ينقل أن النبي ﷺ حدد مدة الإقامة المبيحة للقصر من قوله، ولا أنه أتم في سفره إذا أقام في أثنائه، ولو مرة واحدة.
من ادعى أن إقامة المسافر في أثناء سفره تمنع من الترخص فعليه الدليل، وقد ثبت السفر بيقين، فلا يرفع إلا بيقين.
لا يكفي القول بأن النبي ﷺ لم يقصر إلا في هذه المدة، فما زاد عليها فلا يقصر؛ لأن الأفعال التي تقع اتفاقًا لا يستفاد منها التحديد، وقصره ﷺ في تلك المدة لا ينفي القصر فيما زاد عليها، والأصل استصحاب حكم السفر حتى ينوي استيطانًا، أو يرجع إلى بلده.
إبطال العبادات لا يجوز إلا بحجة بينة، والأصل صحة صلاة من قصر الصلاة في أثناء إقامته في السفر.
ثبت أنه ﷺ أقام في أثناء سفره وقصر الصلاة، سواء أكان ذلك في حجة الوداع، أم في فتح مكة، أم في غزوة تبوك، وهي نصوص مطلقة، والعام والمطلق باقٍ على عمومه وإطلاقه لا يخصصه، ولا يقيده إلا نص مثله أو إجماع.
لم ينقل عن النبي ﷺ أن هذا الفعل منه هو منتهى ما يقصر فيه المسافر إذا أقام.
لم يبين النبي ﷺ أنه قصر في فتح مكة؛ لأنه لم يجمع إقامة، ولا أنه قصر في تبوك؛ لأنه في انتظار حرب قد تطول مع العدو، فكل هذه العلل إنما ادعيت