هذا القول مبني على أن الظن يتفاوت، فهو درجات بعضه أقوى من بعض، فظن الأعلم مقدم على ظن العالم، والظن الصادر عن جماعة، مقدم على ظن الواحد؛ لأن الإصابة من الجماعة أرجى من الواحد، وإن لم يكن ذلك لازمًا، لكن يكفي أن يكون هو الغالب.
ولهذا يقدم خبر أهل البلد عن القبلة على اجتهاد الأجنبي عن البلد مطلقًا، سواء أكان خبرهم عن يقين، أم كان عن ظن.
وذهب كثير من أهل العلم إلى أنه لا يجتهد مع وجود محاريب متفق عليها في البلد، ولو كان تنصيبها باجتهاد؛ لأن اتفاقهم عليها، وعملهم بها، وعدم وجود اعتراض عليها يقوي جانب الظن بالإصابة، حتى تكون عند بعضهم بمنزلة العلم بالقبلة، وهذا ما جعل الحنفية يقولون: الاستخبار أقوى من التحري، وهو ميل القلب بلا أمارة، وتعبيرهم بأفعل التفضيل (أقوى) يشير إلى أنه ليس قطعيًّا.
واتفاق أهل البلد على هذه المحاريب لا يعتبر إجماعًا؛ لأن الإجماع المعتبر عند أهل الأصول هو اتفاق مجتهدي العصر من هذه الأمة على أمر ديني.
فتبين بهذا أن الظن الأقوى مقدم على الظن القوي، والقوي مقدم على الضعيف، وذلك يجعل للمجتهد تقليد غيره إذا كان يقلد من هو أعلم منه.
• دليل من قال: يقلد إن ضاق الوقت وخشي فوات الصلاة:
هل يعتبر إذا ضاق الوقت، وخشي فوات العمل من باب تعذر الاجتهاد، فيسقط للضرورة، ويجوز له التقليد، كما هو اختيار ابن سريج الشافعي، أو لا يعتبر عذرًا، فيصلي بالتقليد، ويعيد إذا تمكن من الاجتهاد، كما هو مذهب الشافعية؟
وقول ابن سريج أقيس؛ لأن الاستقبال يسقط للضرورة كما في حال الخوف.
ولأن الوقت إذا ضاق حتى خشي خروج الوقت:
فإما أن يترك الصلاة حتى يتمكن من الاجتهاد، ولو خرج الوقت.