القصر بالمساحة عن ابن عباس وابن عمر، وروى مالك عن نافع أنه كان يسافر مع ابن عمر البريد فلا يقصر الصلاة، فلا يقال: كيف عرف نافع المسافة، وليس معه آلة يمسح بها الأرض؟
الرجوع إلى عرف الناس في معرفة ما يسمى سفرًا، وإن كان يبدو للناظر أنه قوي جدًّا إلا أنك لا تعرف هذا القول مأثورًا عن أحد من الصحابة رضوان الله عليهم، ولا عن أحد من التابعين، ولا من تابعيهم، ولا قال به أحد من الأئمة الأربعة، وأول من قال به شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله.
تعليق الأمر بالعرف في معرفة ما يعد سفرًا مع سعة البلاد وكثرة العباد يؤدي إلى التلاعب في ركنين من أركان الإسلام، وهما الصلاة والصيام. وأين اطِّراد العرف مع اتساع رقعة البلاد، وكثرة الناس؟
إذا كان الفقهاء يحيلون المستفتي إلى عرف الناس، مع أنهم من جملة أهل العرف، فلو كان العرف منضبطًا لوجدوه معلومًا معروفًا لهم، فلم يبق بعد الفقهاء إلا العوام.
إذا لم يقصر في المسافة الطويلة إما تحكيمًا للعرف، أو لكونه لا يوجد عرف، فإن هذا ينافي الحكمة من مشروعية القصر والفطر في السفر، وهو دفع المشقة.
قدر ابن عباس المسافة التي تقصر فيها الصلاة ما كان من مكة إلى عُسفان، ومن مكة إ لى الطائف، ومن مكة إلى جدة، والمسافة بين هذه الأمكنة متقاربة، وقدرها ابن عمر بالمسافة إلى السويداء، وهي على مسيرة يومين من المدينة.
هذان صحابيان قربا للسائل المسافة التي تقصر فيها الصلاة بالقياس على بعض الأمكنة، ولا يجتمع الرد للقياس مع الرد إلى العرف؛ لأنه في العرف قد تكون المسافة واحدة إلى مكانين مختلفين، ويعد في عرف الناس الذهاب إلى أحدهما سفرًا بخلاف الآخر.
التقدير إذا كان بابه التوقيف، وصح التقدير عن الصحابة دل هذا على أنهم أخذوه من النبي ﷺ.
الصحابة من العلم والديانة بحيث لا يقول أحد برأيه في أمرٍ سبيله التوقيف،