للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

لا يدل على وجوب كل ما رأوه من النبي ، فكيف يدل على الوجوب في حق من دخل في الخطاب تبعًا.

فالاستدلال بمثل هذا الأمر العام المشتمل على أحوالٍ وهيئاتٍ، وصفاتٍ وأقوالٍ، أحكامها مختلفة، لا يمكن أن يستدل على وجوبها بهذا العموم، إلا لو كان النبي قد اقتصر على الواجبات دون السنن طيلة بقاء مالك بن الحويرث في زيارته للمدينة، وإذ لا يمكن دعوى ذلك فلا ينهض الحديث دليلًا على وجوب أفعال النبي في الصلاة، غاية ما يفيده حديث (صلوا كما رأيتموني أصلي) على مشروعية جميع ما رآه مالك مما كان النبي يفعله في صلاته طيلة مقامه عند النبي ، وأما دليل الركنية أو الوجوب فتؤخذ من أدلة أخرى، فالمقطوع به هو الاستحباب، ولا يصرف عن ذلك إلا بقرينة؛ ولأن الأصل في أفعال النبي المجردة الاستحباب، والله أعلم.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن مذهب المالكية والشافعية لا يقسمون أفعال الصلاة إلى سنن وواجبات وفروض، هذا التقسيم معروف عند الحنفية والحنابلة، وهما -وإن اتفقا على ذكر قسم الواجب- إلا أنهما لا يتفقان على واجبات الصلاة إلا في التشهد الأول وجلسته، وما عداهما من الواجبات فمحل خلاف بينهم، وهذا يؤكد صحة ما ذهب إليه المالكية والشافعية، فكل ما عدَّه الحنابلة من واجبات الصلاة، كتكبيرات الانتقال، وأذكار الركوع والسجود فهو من السنن عند الحنفية عدا التشهد الأول وجلسته.

وكل ما عدَّه الحنفية من الواجبات عدا التشهد الأول وقعدته فهو عند الحنابلة، إما ركن، كقراءة الفاتحة، والطمأنية، والترتيب بين السجدتين، ولفظ السلام، وإما سنن، وهو الباقي، كقراءة ما زاد على الفاتحة، والقنوت في الوتر، وتقديم الفاتحة على السورة، والجهر والإسرار من الإمام في موضعهما، ونحو ذلك.

والصحيح أن أفعال الصلاة إما فروض وإما سنن، ولا واجب فيها، وقد بحثت هذه المسألة في مبحث مستقل في المجلد الثالث عشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>