للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وأما استدعاء حديث مالك بن الحويرث، وتوظيف عمومه للدلالة على الوجوب، فكل ما أعوز الفقيه وجود دليل خاص للمسألة ذهب يركب دليل الوجوب من أمرين:

أحدهما: المواظبة على الفعل من النبي ، وتركيبه مع الأمر الوارد في حديث مالك بن الحويرث.

ومثله ما قالوه في الحج أخذًا من قوله (خذوا عني مناسككم) وهذه الطريقة من الدلالة ضعيفة جدًّا؛ لأن المواظبة على الفعل لا دلالة فيها على الوجوب، فقد واظب النبي حضرًا وسفرًا على سنة الفجر، وصلاة الوتر، ولم يدل ذلك على الوجوب.

ولقائل أن يقول: كل أفعال الرسول الأصل فيها الوجوب أخذًا من قوله تعالى: ﴿وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٨].

وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٣١].

ولا تستطيع أن تفهم حديث مالك بن الحويرث إلا من خلال فهم السياق والمناسبة التي قيل فيها هذا الحديث، فدلالة السياق توضح هل قصد به النبي الوجوب أو قصد به ما هو أعم.

فمالك بن الحويرث قدم على النبي مع شببة متقاربين ومكثوا عند النبي عشرين يومًا، وهم يصلون مع النبي ، فأمرهم النبي حين مصرفهم منه أن يصلوا كما رأوه يصلي، فكانت الرؤية في حق مالك ومن كان معه رؤية بصرية (١).

ومن المعلوم أن النبي كان يصلي بأصحابه طيلة العشرين يومًا صلاة تامة بفروضها وسننها، ولم يكن النبي يقتصر في صلاته على الفروض دون السنن، وإذا كان مالك بن الحويرث وأصحابه، وهم المقصودون بالخطاب قصدًا أولويًّا


(١) روى البخاري (٦٣١)، ومسلم (٢٩٢) من طريق أيوب، عن أبي قلابة، قال:
حدثنا مالك، قال: أتينا إلى النبي ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين يومًا وليلة، وكان رسول الله رحيمًا رفيقًا، فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا -أو قد اشتقنا- سَأَلَنَا عمن تركْنَا بعدنا، فأخبرناه، قال: ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم. زاد البخاري: وصلوا كما رأيتموني أصلي … الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>