ولو كان الناس كل ما احتاجوا جمعوا، لتكرر وقوع الجمع في الحضر في عصر التشريع، فالناس لا يعدمون من الوقوع في حاجة عامة من برد، وريح، ومطر ووحل، ومن التعرض لحاجة خاصة من شغل كالحصاد والجذاذ، والنعاس، والمرض، وغيرها، والثابت عن النبي ﷺ في دفع أذى المطر قوله:(صلوا في رحالكم)، وهذا لا يختلف عليه الأئمة الأربعة.
وقد استمر المطر أسبوعًا في المدينة حتى تهدمت البيوت وانقطعت السبل وهلكت المواشي ولم ينقل الجمع.
وقد مرض النبي ﷺ مرات كثيرة حتى صلى جالسًا، ومرض أيامًا قبل وفاته، حتى تخلف عن الجماعة، ولم ينقل أنه جمع قط.
فما هي الحاجات إذًا التي تبيح الجمع، إذا كانت كل هذه الحاجات التي ذكرتها لم يثبت فيها الجمع من السنة العملية؟
دليل من قال: لا يجوز الجمع للحاجة:
الدليل الأول:
الحاجة ملازمة للحياة جماعة وأفرادًا، فلو كانت من أسباب الجمع، لتكرر الجمع، لكثرة الحاجات وتنوعها، ولو فعل الجمع لحفظ، فلا سنة في الباب، ولا آثار عن الصحابة إلا ما كان من حديث ابن عباس، وقد وقفت على مواقف العلماء منه عند الكلام على جمع المطر.
أينقل الصحابة جمع النبي ﷺ في أسفاره، والسفر عارض ويتكرر النقل في بيان صفة الجمع، ومكانه، وهل كان من جمع التقديم أو التأخير، وهل كان نازلًا أو جَدَّ به السير، فإذا جاءت الإقامة، وهي الأصل في حياة النبي ﷺ وأصحابه وقد امتدت عشر سنوات، ويتكرر فيها أسباب الجمع من مطر، وبرَد، ورياح، ووحل، وقرٍّ وحرٍّ ومرض، ثم لا يوجد فيها نقل واحد مرفوع أن النبي ﷺ جمع بسبب هذه الحاجات إلا ما كان في حديث ابن عباس المشكل، والذي شرق فيه الأئمة وغربوا.
كل ذلك يدل على عدم ثبوت الجمع بسبب الحاجة، والله أعلم.