للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قال ابن عباس لمؤذنه في يوم مطير: إذا قلت أشهد أن محمدًا رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم، فكأن الناس استنكروا، قال: فعله من هو خير مني، إن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أحرجكم فتمشوا في الطين والدحض، ورواه مسلم (١).

فلما وجد الأمر بالصلاة في الرحال بسبب المطر في السنة المرفوعة، واتفق عليها الأئمة الأربعة في الصلوات الخمس، ولم يثبت في حديث مرفوع أن النبي جمع في الحضر لعلة المطر مع قيام المقتضي وتكراره، علمنا أن المطر في الحضر ليس من أسباب الجمع، والله أعلم.

ولو كان الجمع رخصة في المطر في الحضر لفعله النبي ، ولنقله لنا صحابته، فإن الله يحب أن تؤتى رخصه، فلما لم يوجد في الأحاديث ما يدل على حصول الجمع للمطر مع قيام السبب وقت التشريع، ولم يوجد آثار عن الصحابة مع تفرقهم في البلدان، ولم يعرف هذا الفعل زمن التابعين إلا في المدينة، ومن صحابي واحد، وهو ابن عمر، ولم يجمع استقلالًا وإنما كان يتابع الأمير إذا جمع، وهي حكاية فعل، وليست سنة قولية، وأما فعل ابن عمر في المطر على وجه الاستقلال فكان يأمر مؤذنه أن ينادي: الصلاة في الرحل، وما كان يحب الجمع حتى في السفر، ولم يفعله في عمره إلا مرة واحدة حين استصرخ على زوجته.

ولم ينقل أن مساجد المدينة كانت تفعله عند انعقاد سببه إلا في مسجد النبي خلف أميرها، ولذلك قال الإمام مالك في رواية: أن الجمع خاص في مسجد النبي ، لأن الجمع كان يقع في مسجده خلف الأمراء.

وقد أشرنا إلى هذه الرواية في الأقوال.

كل هذا يدل على أن الجمع في المطر ليس من أسباب الجمع، والناس عندنا يفزعون إلى الجمع عند بَلِّ الثياب، وقد تهدمت البيوت، وتقطعت السبل، وهلكت المواشي على وقت النبي حتى أمطروا أسبوعًا كاملًا، وحتى سأل الصحابي


(١) صحيح البخاري (٩٠١)، ورواه مسلم (٦٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>