للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الأولوية؛ لأن الخوف والسفر أعظم مشقة من المطر، فالجمع والفطر في السفر جائز، ولو لم يكن فيه مشقة، -وهذا رأي تقي الدين ابن تيمية- ولا يجوز الجمع في الحضر إلا إذا لحقه من ذلك مشقة.

فالجمع للمسافر علته: السفر. والجمع في الحضر علته: المشقة. ولهذا يمنع الحنابلة والشافعية الجمع في السفر الذي لا تقصر فيه الصلاة؛ لأن العلة في الجمع السفر، خلافًا للمالكية، وإذا اختلفت العلة لم يصح القياس.

جاء في سبل السلام: «قياس الجمع في السفر على الجمع في الحضر فوهم؛ لأن العلة في الأصل هي السفر، وهو غير موجود في الفرع، وإلا لزم مثله في القصر والفطر» (١).

هذا الجواب على دلالة نفي السفر على جواز الجمع في المطر.

ويبقى دلالة نفي الخوف على جواز الجمع في المطر، فإن مفهوم حديث ابن عباس جواز الجمع بسبب الخوف.

والسؤال: هل حُفِظ الجمع بين الصلوات بسبب الخوف في السنة المرفوعة مع إمكان أداء كل صلاة في وقتها؟

لو كان الجمع مشروعًا بسبب الخوف، فلماذا أمرنا بالصلاة حال المسايفة رجالًا وركبانًا قال تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾ [البقرة: ٢٣٩]، حتى ولو تركت بعض واجبات الصلاة، بل وبعض شروطها من أجل المحافظة على الوقت، ولم نؤمر بالجمع بين الصلاتين؟

وقد يُعَدُّ الجمع في الخوف من باب الضرورات؛ والضرورة قد تبيح المحرم؛ وقد صلى الصحابة في فتح تستر بعد خروج وقتها؛ لأن مثل هذا ضرورة، وليس البحث في الجمع في حال الضرورة، وإنما الجمع في حال الحاجة والمشقة.

وقولهم: (جمع من غير كذا ولا كذا، ليس نفيًا منه للجمع بتلك الأسباب، بل إثباتًا منه أنه جمع بدونها، وإن كان قد جمع بها أيضًا).

قولهم: (وإن كان قد جمع بها أيضًا)، لو ثبت أن النبي جمع للمطر، لانقطع


(١) سبل السلام (٣/ ١٢٠)، وانظر: بدر التمام (٣/ ٣٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>