لو كان وجود الحرج من أسباب الجمع لشرع الجمع لشدة الحر، والمشروع معه الإبراد، وهو صورة من صور الجمع الصوري فما صلوا الظهر حتى رأى الصحابة فيء التلول وفي رواية حتى ساوى الظل التلول قرب العصر.
لو كان وجود الحرج من أسباب الجمع لشرع الجمع في حال المسايفة، فإن الناس أمروا بالصلاة حال القتال رجالًا وركبانًا، ولم يؤمروا بالجمع.
ينازع ابن عباس في فهمه في قوله:(أراد ألا يحرج أمته)، سواء أراد به جواز الجمع بلا سبب، أو أراد به توسيع أسباب الجمع، وكان صبيًّا حين صلى خلف النبي ﷺ.
فهم ابن عباس معارض بفهم ابن مسعود، وسعد بن أبي وقاص، وليس فهم أحدهم بأولى من فهم الآخر.
يرى الأئمة الأربعة أن أسباب الجمع معدودة، لا يجوز الجمع لغير ما ذكروا، فالحنابلة وهم أوسع الناس بالجمع، قال في الإنصاف: لا يجوز الجمع لعذر من الأعذار سوى ما تقدم، وقال مثله ابن قدامة.
أيعقل أن تكون الحاجة من أسباب الجمع، ثم لا يعرف من جهة العمل في عصر التشريع، ولا في عصر الصحابة، ولا في عصر التابعين إلا ما فهمه ابن عباس.
لم يمر بالنبي ﷺ ولا صحابته حدث مثل حفر الخندق وقد تحزب عليهم العرب من أقطارها حتى كان النبي ﷺ يشارك في نقل التراب، وقد اجتمع فيه الجوع والخوف والشغل، ولم ينقل أنهم جمعوا للصلاة، فأي شغل بعد هذا يكون مبررًا للجمع.
الأنصار أهل حرث ونخل، يعملون في مزارعهم، ويأتيهم مواسم الحصاد والجذاذ كل عام مرة أو مرتين، ولم ينقل عنهم الجمع.
أينقل الصحابة جمع النبي ﷺ في أسفاره، والسفر عارض ويتكرر النقل في بيان صفة الجمع، ومكانه، وهل كان من جمع التقديم أو التأخير، وهل كان نازلًا أو جَدَّ به السير، فإذا جاءت الإقامة، وهي الأصل في حياة النبي ﷺ وأصحابه وقد امتدت عشر سنوات، ويتكرر فيها أسباب الجمع من مطر، وبرَد، ورياح،