للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

النسك لكان ملازمًا للنسك، ولقصر أهل مكة فيها من حين أحرموا بالحج، ولكان القصر ينتهي مع التحلل من النسك، فلما لم يقصر المكي المحرم فيها، ولم يقصر العرفي في عرفة دل على أن علة القصر ليست النسك.

وكذلك الشأن في الجمع، فالشارع سلك بالجمع في عرفة ومزدلفة مسلك الجمع في غيرهما؛ لأن الجمع ليس سنة ملازمة للسفر، بل رخصة للمسافر عند الحاجة إليه كالفطر للمسافر، فلذلك النبي لم يجمع إلا في عرفة ومزدلفة، فلم يجمع في منى وقد مكث فيها يوم التروية، وأربعة أيام: يوم النحر، وأيام من التشريق.

ولم يجمع النبي في إقامته في مكة قبل خروجه إلى منى يوم التروية، فسلك الشارع في سنة الجمع في المشاعر سنة الجمع في غيرهما، فلم يكن الجمع سنة ملازمة للمشاعر كما أن الجمع ليس سنة ملازمة للسفر.

وإذا كانت سنة القصر والجمع في المشاعر تشبه سنة القصر والجمع في غيرهما، فالأصل أن الشيء يلحق بشبهه إلا لنص أو إجماع، ولا نص على أن العلة النسك، ولا إجماع أيضًا.

والقصر سنة في السفر، والجمع رخصة فيه؛ وإذا اجتمعت الحاجة والسفر كان الجمع سنة كالفطر يباح للمسافر، ومع المشقة يسن له الفطر.

والحاجة نفسها لا تستقل بالعلة في الجمع، انظر: مناقشة ذلك في مسألة الجمع للمطر، والجواب عن قول ابن عباس: (أراد ألا يحرج أمته).

وقد ورد الجمع في السفر في أحاديث صحيحة، فلنحمل الجمع والقصر في عرفة ومزدلفة على الجنس المقطوع به، والله أعلم.

الأمر الثاني:

لو كان القصر والجمع في عرفة ومزدلفة مختلفًا عن القصر والجمع في غيرهما لكان لزامًا أن يبين الشارع أن ذلك خاص بالمشاعر حتى لا يقاس عليهما غيرهما مع قرب المسافة بين المشاعر، وترك البيان مع شدة الحاجة إليه لا يجوز، فلما ترك الشارع تعليل القصر والجمع في عرفة ومزدلفة علم أن الجمع والقصر

<<  <  ج: ص:  >  >>