للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

والخوف والريح الباردة، وإذا كان شيخ الإسلام يرى علة الجمع في عرفة ومزدلفة المشقة، وينفي أن تكون علة الجمع السفر، أو النسك، ويقيس عليهما الجمع في الحضر، فإن الجمع بين الجمعة والعصر أولى بالإلحاق، وعدم ثبوت الجمع بين الجمعة والعصر في حق المسافر راجع إلى سقوط الجمعة في السفر، فإذا حضر المسافر صلاة الجمعة مع كونها ليست واجبة عليه، ونابت الجمعة عن الظهر الذي هو فرضه الأصلي، فكيف يمنع من الجمع؟، أليس هما صلاتين نهاريتين لا فاصل بين وقتيهما، فما الفرق بينهما وبين الجمع بين الظهرين؟ والله أعلم.

الدليل الثاني:

أن الجمعة فرض مستقل، وليس بدلًا عن الظهر، لوجود الفروق بينهما،

فالجمعة لا تصح من الواحد بالإجماع، وتسبقها خطبتان، ولا تصلى في السفر، ولا تقضى إذا فات وقتها، ولا تلزم النساء، والقراءة فيها جهرية، وليس لها راتبة قبلية، ولا يصح البيع والشراء بعد ندائها الثاني ولها شعائر قبلها، كالغسل، والطيب، ولبس أحسن الثياب ونحو ذلك بخلاف الظهر، وقد أوصلها شيخنا ابن عثيمين إلى ثلاثة وعشرين فرقًا، وقد انتقيت منها أقواها بحسب ما ظهر لي (١).

ويجاب بأجوبة منها:

الجواب الأول:

ليس مناط الحكم في الجمع عدد ركعات الظهر، ولا سرية القراءة فيها، ولا خلوها من الخطبة، وكون الجمعة تختص ببعض الأحكام عن الظهر لا يمنع من صحة الجمع؛ فالجمع يمس وقت الصلاة تقديمًا أو تأخيرًا؛ لعلة أباحت الجمع، لا يتعلق بكنه العبادة.

فكأن المانعين جعلوا الظهر علة في جواز الجمع، حتى إذا تغير الفرض بالجمعة تخلف الحكم، والحق أن مناط الحكم كما سبقت الإشارة إليه، علة تبيح الجمع، واشتراك في الوقت بين صلاتين إما نهاريتين وإما ليليتين لا فاصل بين وقتيهما، وهذا متحقق في الجمعة كما هو متحقق في العصر.

ولهذا الشافعية يرون الجمعة فرضًا مستقلًا، ويرون الجمع بينها وبين العصر.


(١) مجموع فتاوى ابن عثيمين (١٥/ ٣٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>