نعم السنة أن يتم الصف الأول فالأول، ولا يلزم من ترك السنة الوقوع في المكروه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى هذه السنة قد عارضها الخروج من الخلاف في بطلان صلاة الفذ، وقد أمر النبي ﷺ من صلى وحده أن يعيد الصلاة، ولم يسأله، أوجد فرجة في الصف أم لم يجد؟ وترك السؤال في مقام الاحتمال يدل على عموم الحكم، فمن ادعى أن الرجل صلى وحده مع وجود فرجة في الصف فعليه الدليل.
ولهذا لو دخل الرجلان للصلاة معًا، وكان الصف الأخير ليس فيه ما يسع إلا مكانًا واحدًا، استحب للاثنين أن يصليا معًا، ولو بقي الصف الأول ليس تامًا؛ لأن مراعاة الواجبات أولى من تحصيل السنن.
المحذور الثالث: أن في ذلك اعتداءً على المصلي، وذلك بنقله من المكان الفاضل إلى المكان المفضول، وقد لا يرغب المصلي المجذوب بإيثار المتأخر
ويناقش من وجهين:
الوجه الأول:
وصفه بالاعتداء لا يصدق إلا لو كان ذلك على سبيل الإكراه، فإذا كان المأموم لا يمانع من ذلك فلا وجه لهذا الوصف.
الوجه الثاني:
إذا ترك المصلي المكان الفاضل حسًا لينفع أخاه، فهو في الحقيقة لم يتركه حكمًا؛ وربما كان فعله خيرًا من فعل ذلك الذي بقي في الصف؛ لأنه من ترك الشيء للعذر، فكأنه لم يتركه؛ لقول النبي ﷺ: إن في المدينة لأقوامًا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كتب لهم، قالوا: وهم في المدينة يا رسول الله، قال: وهم في المدينة، حبسهم العذر، فله أجر المكان الفاضل، وله زيادة على ذلك أجر تعاونه مع أخيه للخروج من الخلاف في بطلان صلاته.
المحذور الرابع: جذب المصلي فيه تشويش على المجذوب، فقد يجذبه على حين غفلة منه، فيفسد عليه صلاته، وربما تكلم.