الطريق الأول: أن النبي ﷺ نهاه عن ذلك، فلا تصح الصلاة بعد النهي عنه، وتصح إذا لم يعلم النهي. قال أحمد، في رواية أبي طالب في الرجل يركع دون الصف، وهو جاهل: أجزأه. وقيل له: لا يعيد، كما قال النبي ﷺ لأبي بكرة: (لا تعد) فأجاز له صلاته؛ لما لم يعلم، ونهاه أن يصلي بعد ذلك، فقال: (زادك الله حرصا ولا تعد). قيل له: فإن كان يعلم، يقول: صلى فلان، وصلى فلان؟ قال: لا تجزئه صلاته، يعيد الصلاة. قال أبو هريرة: لا يركع أحدكم حتى يأخذ مقامه من الصف. ففرق بين الجاهل والمتأول، فأمر المتأول بالإعادة دون الجاهل. وهذه الرواية اختيار الخرقي وابن أبي موسى وجماعة من متقدمي الأصحاب. وقال بعض الأصحاب: إن هذا مطردٌ فيمن لم يتم الركعة وهو فذٌّ، منهم: القاضي في (شرح المذهب). ومنهم من قال: بل يطرد، ولو أتم الركعة فذًّا. ولم يذكر أكثرهم أنه مطردٌ فيما لو صلى فذًّا الصلاة كلها جاهلًا بالنهي. فظاهر كلام أحمد وتعليله يدل على أنه مطَّردٌ فيه أيضًا، وقد حكاه بعضهم رواية عن أحمد. وقد حكى أبو حفص وغيره من أصحابنا فيمن فعل كفعل أبي بكرة مع العلم بالنهي، هل تبطل صلاته؟ روايتين عن أحمد. فادخلوا في ذلك: من كبر، ثم دخل في الصف قبل رفع الإمام. وفي هذا الطريق نظر؛ فإن الذي أمره النبي ﷺ بالإعادة في حديث وابصة بن معبد الظاهر أنه لم يكن عالمًا بالنهي، ولم يسأله: هل علم النهي أم لا. والطريق الثاني: أن أبا بكرة دخل في الصف قبل رفع النبي ﷺ رأسه. وقد خرج حديثه أبو داود، وقال فيه: ثم مشى حتى دخل في الصف. وخرجه أبو بكر عبد العزيز بن جعفر من وجه أخر، عن الحسن، عن أبي بكرة. وحينئذ، فقد زالت فذوذيته قبل أن تفوته الركعة، فيعتد له بذلك. وعلى هذا يحمل ما روي عن الصحابة في ذلك أيضًا. وقد أشار أحمد إلى هذا أيضًا في رواية أبي الحارث، وسأله عن رجل كبر قبل أن يدخل في الصف، وركع دون الصف؟ فقال: قد كبر أبو بكرة، فقال له النبي ﷺ: (زادك الله حرصا، ولا تعد)، ولم يأمره أن يعيد أيضًا». اه