للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

يرى معاذًا يصلي معه، بل لا يبعد أن تكون إمامة معاذ بتوجيه من النبي ، وقد كان النبي يعيِّن الأئمة والمؤذنين، كما في حديث عثمان بن أبي العاص: (اجعلني إمام قومي. قال: أنت إمامهم)، وأمره لأبي محذورة أن يؤذن بمسجد الكعبة.

وإنما الذي جعل جمهور الفقهاء يقدمون الأصل هنا على الظاهر مع قوته؛ لاعتقادهم أن المفترض لا يصح أن يصلي خلف المتنفل؛ لحديث: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه)، وقد ناقشت دلالة هذا الحديث في أدلة القول الأول.

ورد هذا الجواب:

لا نسلم أن النبي أَقرَّ معاذًا على الجمع بين الصلاة معه، والصلاة بقومه.

(ح-٣٢٤٥) بدليل ما رواه الإمام أحمد من طريق عمرو بن يحيى، عن معاذ بن رفاعة الأنصاري،

عن رجل من بني سِلمة، يقال له: سليم، أتى رسول الله ، فقال: يا رسول الله، إن معاذ بن جبل يأتينا بعدما ننام، ونكون في أعمالنا بالنهار، فينادي بالصلاة، فنخرج إليه، فيطول علينا. فقال رسول الله : يا معاذ بن جبل، لا تكن فتانا: إما أن تصلي معي، وإما أن تخفف على قومك. ثم قال: يا سليم، ماذا معك من القرآن؟ قال: إني أسأل الله الجنة، وأعوذ به من النار، والله ما أحسن دندنتك، ولا دندنة معاذ، فقال رسول الله : وهل تصير دندنتي، ودندنة معاذ، إلا أن نسأل الله الجنة، ونعوذ به من النار. ثم قال سليم: سترون غدًا إذا التقى القوم إن شاء الله، قال: والناس يتجهزون إلى أحد، فخرج، وكان في الشهداء (١).

قال الطحاوي: «ففي قول رسول الله هذا القول لمعاذ، لما عَلِم ما كان يفعل مما ذكرناه عنه، دليل على أنه لم يبح له جمعهما جميعًا؛ لأنه لو أباح له جمعهما، لقال له: صلِّ معي، وخفف بقومك» (٢).

وفي شرح معاني الآثار: « … قال: (إما أن تصلي معي) أي: ولا تُصلِّ بقومك


(١) المسند (٥/ ٧٤).
(٢) أحكام القرآن للطحاوي (١/ ٢٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>