للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

إذا فسر الانصراف بالسلام، وهو الأصح، والسبق أغلظ من المقارنة.

ثالثًا: جملة: (فلا تختلفوا عليه)، هل تعد موافقة الإمام في أفعاله من الاختلاف عليه، فقوله: (لا تختلفوا عليه): أي لا تخالفوه في أفعاله، والنهي عن الاختلاف عليه يلزم منه الأمر بالموافقة؛ لأن النهي عن الشيء أمر بأحد أضداده، ولولا أنه قال: (إذا كبر فكبروا) لكان التكبير بعد تكبير الإمام يدخل من الاختلاف عليه، فإذا كان من يتأخر عنه، فلم يكبر حتى يكبر لا يعد مختلفًا عليه، فالموافق له أولى بأن لا يعد مختلفًا عليه، والله أعلم.

نعم قد يؤخذ من الموافقة على الأفعال أنه مساوٍ للإمام، وهذا ينافي جعله إمامًا، فهو ما جعل إمامًا إلا ليؤتم به، فإذا كان المأموم لا يساوي الإمام في مكانه، فلا يساويه في أفعاله، لكن وجوب الشيء للعبادة لا يستلزم بطلان الصلاة بفواته إلا بدليل.

رابعًا: حديث أبي هريرة لم يفرق بين التكبير والركوع والسجود، فكلها توجه إليها الأمر بالفاء الواقعة في جواب الشرط، (فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا)، فكان مقتضى ذلك أن تفيد حكمًا واحدًا، بينما المالكية قد فرقوا بينها في الحكم، فلو ركع وسجد مع الإمام لم تحرم عليه المقارنة عند المالكية فضلًا أن يقال بالبطلان، بخلاف التحريمة والسلام، فيلزم من الاستدلال بالحديث الالتزام بدلالته على كل أفراده، فإما أن يفيد حديث أبي هريرة تحريم المقارنة في جميع ما ذكر من التكبير والركوع والسجود، فإذا خالف بطلت صلاته.

أما أن يكون بعض هذه الأفعال المقارنة محرمة ومبطلة، وبعضها مكروهة فهذا لا يستقيم في الاستدلال.

جاء في تحبير المختصر: «وإن سبقه في الإحرام والسلام أو ساواه فيهما بطلت، وإن سبقه في غيرهما حرم ذلك ولم تبطل صلاته، وإن ساواه في غيرهما كره» (١).

فجعل المساواة منها ما هو حرام مفسد، ومنها ما هو مكروه.

وقال زروق في شرحه على الرسالة: «المساواة في غير الإحرام والسلام


(١) انظر: تحبير المختصر (١/ ٤٣٩)، جواهر الدرر (٢/ ٣٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>