لضرورة الأداء، فلو كان الحدث معفى عنه، لكانت طهارته باقية، ولا ينقضها إلا حدث غير الحدث المعذور فيه، فلما كان مأمورًا بإعادة الوضوء كلما دخل وقت الصلاة، وأراد أن يصلي، علم أن الحدث المبتلى به باق حكمًا، فكان في صلاتهم خللًا غير مجبور ببدل، وكان حدثه قائمًا؛ لأنه حامل للنجاسة، أشبه ما لو صلى خلف محدث يعلم بحدثه، وإذا كانت طهارته طهارة ضرورة، فالضرورة تقدر بقدرها، ولا تتعدى.
فإن قيل: فلم صحت صلاته؟ قيل: للضرورة.
وقال الحنفية: أن الصحيح أقوى حالًا من المعذور، ولا يجوز بناء القوي على الضعيف.
ونوقش هذا:
أن الأحاديث والآثار الواردة في وضوء المستحاضة لكل صلاة، قد اختلف العلماء في حكمهم عليها، فقد ذكرتها في كتابي موسوعة أحكام الطهارة، وخرجتها، فمن العلماء من ذهب إلى ضعف كل الأحاديث الواردة في الباب.
قال ابن رجب:«أحاديث الوضوء لكل صلاة قد رويت من وجوه متعددة وهي مضطربة ومعلة»(١).
وإذا لم تصح الآثار عن الرسول ﷺ في وضوء المستحاضة، فإن النظر أيضًا يؤيد القول بعدم اعتبار خروج دم الاستحاضة وسلس البول ونحوهما حدثًا يوجب الوضوء.
وقد اختلف العلماء في معنى قوله:(توضئي لكل صلاة) فحمل الحنفية والحنابلة على أن المراد: توضئي لوقت كل صلاة.
والوقت سبب في وجوب الصلاة، وليس حدثًا يوجب خروجه أو دخوله الوضوء.
وحمل الشافعية على أن المراد: توضئي لكل صلاة أي لكل فريضة، بخلاف النافلة، فاعتبروا خروجه حدثًا في الفرض، ولم يعتبروه حدثًا في النفل، وهذا من أضعف الأقوال؛ لأن ما كان حدثًا في الفرض كان حدثًا في النفل.