العلماء على أن حكم القيام في الصلاة على الإيجاب، لا على التخيير، ولما أجمعوا على أن القيام في الصلاة لم يكن فرضه قط على التخيير وجب طلب الدليل على النسخ في ذلك، وقد صح أن صلاة أبي بكر، والناس خلفه قيامًا، وهو قاعد في مرضه الذي توفي فيه متأخر عن صلاته في حين سقوطه، فبان بذلك أنه ناسخ لذلك، وممن ذهب هذا المذهب واحتج بنحو هذه الحجة الشافعي، وداود بن علي وأصحابهما» (١).
فلا يجوز أن يأمرهم بالقعود خلف القاعد ثم يقرهم على القيام خلفه لولا أن الأمر الأول كان قد نسخ.
واعترض على القول بالنسخ بجملة من الاعتراضات:
الاعتراض الأول: الأصل عدم النسخ، ومن القواعد التي اتفق عليها الجمهور: أن الروايات التي ظاهرها التعارض لا يصار إلى القول بالنسخ، ولا إلى الترجيح إذا أمكن الجمع بينها بلا تكلف، والجمع بين الروايات ممكن، وقد جمع بينهما جماعة من أهل العلم على رأسهم الإمام أحمد، وسوف أذكر وجه الجمع عند الكلام على الجمع بين الروايات إن شاء الله تعالى.
الاعتراض الثاني: أن النبي ﷺ علل أمره للصحابة بالجلوس في مرضه القديم بمتابعة الإمام، قال ﷺ(إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالسًا، فصلوا جلوسًا أجمعون)،
وإذا كانت متابعة الإمام في التكبير، والركوع، والتسميع والسجود لم تنسخ فكذلك أمره لهم بالجلوس.
الاعتراض الثالث: أن النبي ﷺ عَلَّلَ الحكم بأن القيام خلف الإمام القاعد فيه شبه من أفعال أهل فارس بعظمائها، فيشبه تعظيم المخلوق فيما وُضعَ لتعظيم الخالق من الصلاة، ولا يخفى بقاء هذه العلة، والأصل بقاء الحكم لدوام العلة.
الاعتراض الرابع: جعل النبي ﷺ موافقة الإمام بالجلوس من طاعة الأئمة، التي