التفريق بين الابتداء والاستدامة لا أعلم أحدًا قال به من الصحابة، ولا من التابعين، ولا من تابعيهم، فمخالفة الإمام لا فرق فيها بين الابتداء والاستدامة.
أول من فرق بين الابتداء والاستدامة هو الإمام أحمد ﵀، قال به اجتهادًا؛ ليجمع بين الأحاديث، ولا أعلم له نظيرًا في أحكام الصلاة إلا ما ذكره الحنفية عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن في النافلة إذا شرع فيها قائمًا لم يجلس إلا لعجز، وإذا افتتحها قاعدًا جاز له القيام، والشبه بين المسألتين معكوس.
الشروع في الصلاة قائمًا ليس بأقوى من كون القيام واجبًا لذاته، وقد سقط لمتابعة الإمام، فإذا سقط ما وجب لذاته سقط ما وجب لغيره من باب أولى.
إذا افتتح الإمام الصلاة جالسًا لعذر، ثم ارتفع في أثناء الصلاة وجب على الإمام والمأموم القيام، ولم يراع الابتداء، فإذا لم ينظر إلى الابتداء في ارتفاع العذر، لم يكن الابتداء هو مناط وجوب الجلوس والقيام.
القاعدة الشرعية: أن النبي ﷺ إذا أمر بأمر، ثم خالفه دل على أن الأمر ليس للوجوب، وإذا نهى عن شيء ثم فعله دل ذلك على أن النهي للكراهة، ما لم يقم دليل على الخصوصية، ولا دليل، وهو رواية عن أحمد.
[م-١٠٣٠] إذا صلى الإمام قاعدًا لعلة، فقد اختلف العلماء القائلون بصحة صلاة القادر على القيام خلف القاعد في صفة صلاة المأمومين:
فقيل: يصلون خلفه قيامًا وجوبًا، وهو مذهب الحنفية، والشافعية، ورواية عن الإمام أحمد (١).
(١) الحجة على أهل المدينة (١/ ١٢٢) وما بعدها، المبسوط (١/ ٢١٣، ٢٥٨)، بدائع الصنائع (١/ ١٤٢)، النهاية شرح الهداية (٣/ ٤٥)، البحر الرائق (١/ ٣٨٦)، العناية شرح الهداية (١/ ٣٦٨، ٣٦٩)، الجوهرة النيرة (١/ ٦٢)، تبيين الحقائق (١/ ١٤٣)، الأم (١/ ١٠٠)، مختصر المزني، ت الدغتساني (١/ ١٢٧)، الحاوي الكبير (٢/ ٣٠٦)، التعليقة للقاضي حسين (٢/ ١٠١٤)، نهاية المطلب (٢/ ٣٧١)، فتح العزيز (٤/ ٣٢٠)، المجموع (٤/ ٢٦٤)، التهذيب في فقه الإمام الشافعي (٢/ ٢٦٠)، الإنصاف (٢/ ٢٦١).