إلا في أحرف يسيرة، ولو اقتصر المصلي على القدر الذي سلم من اللحن لأجزأه.
قال ابن هانئ: سمعته يقول- يعني أحمد-: إذا كان الإمام يلحن لحنًا كثيرًا لا يعجبني أن يصلى خلفه إلا أن يكون قليلًا، فإن الناس لا يسلمون من اللحن، يصلى خلفه إذا كان مثل لحن أو لحنين (١).
التعليل الثاني:
الدفع بأن اللاحن لم يقصد اللحن، ولم يعتقد معناه، وجه ذلك:
أن اللحن لا يصير الكلمة الملحونة خارجة عن كونها قرآنًا، ولو أخرجها بذلك عن كونها قرآنًا فإنه لم يتعمده، ولو كان يغير المعنى فإنه لا يعتقد إلا معنى الكلمة المعربة، فهو يعتقد بقراءته ما يعتقد بها من لا يلحن فيها، فهذا هو حدود قدرته، و ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾.
فلو قرأ (أنعمت) بالضم جاهلًا فإن اعتبرناه بمنزلة من تكلم بكلام آدمي جاهلًا بتحريمه أو ناسيًا ففي بطلان صلاته نزاع، والصحيح أنه لا يبطل صلاته، واللاحن الجاهل بمعنى (أنعمتُ) عذره أقوى من عذر الجاهل بتحريم الكلام في الصلاة، لأنه يعلم أنه من كلام الآدميين لكن لا يعلم أنه محظور، بخلاف اللاحن فإنه يعتقد أنه قرأ قرآنًا.
ونوقش هذا من وجهين:
الوجه الأول:
هب أن الصلاة لا تبطل من جهة كونه متكلمًا، لكنه لم يأت بفرض القراءة، فيكون قد ترك ركنا في الصلاة جاهلًا، ولو تركه ناسيًا لم تصح صلاته فكذلك إن تركه جاهلًا.
ويجاب:
اللاحن لم يترك أصل الركن، وإنما ترك صفة فيه، وهي حركة الإعراب وأتى بغيرها، ظانا أنها هي، فالحركة التي هي الضمة والفتحة لا يمكن أن تعد ركنًا.
الوجه الثاني:
كونه معذورًا يجعل من صلاته صحيحة، ولكنه لم يحقق شرط الإمامة فالنبي ﷺ
(١) مسائل ابن هانئ (٢٦٦)، الجامع لعلوم الإمام أحمد (٦/ ٣٤٣).