للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وإذا كان الأعمى لا قائد له يقوده إلى المسجد كما في حديث أبي هريرة، وبينه وبين المسجد نخل وشجر كما في مرسل عبد الله بن شداد، ويخشى على حياته من السباع والهوام، كما في مرسل ابن أبي ليلى، والمكلف إذا خشي على ماله سقطت عنه الجماعة بالإجماع، فكيف إذا خشي على نفسه؟

والأعمى من غير قائد كالزمن، ومع القائد كالبصير، ولما قال ابن أم مكتوم: لا قائد له، ويخشى على نفسه من السباع والهوام كان ذلك محمولًا على الحقيقة، وليس على التوهم، وابن أم مكتوم من المهاجرين الأوائل، لا يطلب الترخص في التخلف، وهو لا يشق عليه.

ولا يصح القول بأن الخوف على نفسه من السباع والهوام وكونه بينه وبين المسجد شجر ونخل جاءت عن طريق بعض المراسيل، والمراسيل لا حجة فيها؛ لأنه لا يصح أن تُقَوِّي حديث أبي هريرة بهذه المراسيل، ثم لا تقبل الاعتراض عليك بألفاظها بحجة أنها مراسيل، فإذا أنكرت ألفاظها أسقطت الاعتبار بها، وبقي حديث أبي هريرة لا شاهد له، ويكفي الأعمى عذرًا أنه لا قائد له، وهذا منصوص عليه في حديث أبي هريرة في مسلم.

وقال الجوزجاني فيما نقله عنه الحافظ ابن رجب وأقره: «إن حديث ابن أم مكتوم لم يقل أحد من الفقهاء بظاهره، بمعنى: لم يوجب حضور المسجد على من كان حاله كحال ابن مكتوم، والله أعلم» (١).

قال الشوكاني: « … أمر الأعمى بحضور الجماعة، مع عدم القائد، ومع شكايته من كثرة السباع والهوام في طريقه كما في مسلم، ومع قوله تعالى ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ﴾ [النور: ٦١] في غاية الإشكال (٢).


(١) انظر: فتح الباري لابن رجب (٣/ ١٨٥).
والفقهاء مختلفون هل العمى عذر في سقوط الجماعة أو ليس بعذر، على قولين، لكن إذا أضيف إلى العمى كونه لا قائد له، وخاف على نفسه تلفًا، أو ضررًا حرم عليه حضور الجماعة، ولا يكفي أن يقال: لا تجب عليه الجماعة، ولا ينبغي الخلاف في ذلك؛ لأن حفظ النفس واجب بأدلة قطعية.
(٢) انظر: نيل الأوطار (٣/ ١٥١)، ونسبة الشوكاني (كثرة السباع والهوام) لمسلم وهم، فهي
جاءت في مرسل ابن أبي ليلى.

<<  <  ج: ص:  >  >>