للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الحكم: تخلف جزء من العلة.

ولأن الأذية بالرائحة ليس لها تأثير إلا في عدد محدود؛ لأن انتشار الرائحة لا يعم جميع المكان، ولا يتأذى به جميع الحاضرين، فلا يكاد يجد ريحها إلا من كان قريبًا من صاحب الرائحة، فالكثرة ليس مراعاة في الحكم.

ولو كانت الكثرة هي المؤثرة لكان المنع من الخروج إلى الأسواق أولى بالمنع من المسجد، فإن حضور الناس في الأسواق أكثر منه في المساجد، ومع ذلك فالصحيح أن الرجل لا يمنع من الخروج إلى الأسواق.

جاء في البيان والتحصيل: «سألت مالكًا عن آكل الثوم، أيكره له المشي في السوق؟ فقال: ما سمعت ذلك إلا في المسجد» (١).

قال ابن حزم: «له الجلوس في الأسواق، والجماعات، والأعراس، وحيث شاء إلا المساجد؛ لأن النص لم يأت إلا فيها» (٢).

فلو كانت كل واحدة منها علة مستقلة لمنع من الخروج للأسواق، ولأن حرمة المسلم أعظم من حرمة المسجد، بل وأعظم من حرمة الكعبة، وإنما جاز له الخروج إلى الأسواق؛ لأن الأذية بالرائحة جزء من علة، لا تستقل بالحكم، والله أعلم.

وقال شيخنا ابن عثيمين في لقاء الباب المفتوح، وقد سئل: «لو أن شخصًا أكل ثومًا أو بصلًا، ثم ذهب يصلي، ولكنه لم يصلِّ في المسجد، صلى مع إخوة له في البر، أو في مزرعة، فهل هذا يعد من النهي؟

قال شيخنا: الصحيح أنه لا يكره أن يصلي الإنسان جماعة، وقد أكل بصلًا، أو ثومًا، إلا إذا كان يؤذي المصلين [يقصد شيخنا إلا إذا لم يأذن له المصلون؛ لأن الأذية لازمة]، فإذا كان يؤذي المصلين فلا يدخل معهم، أما المساجد، فإنه لا يحل له أن يحضر، وقد أكل بصلًا أو ثومًا، وبقيت رائحتهما فيه [يعني: وإن أذن له المصلون] فإن زالت الرائحة فلا بأس [ظاهره: ولو كان المسجد خاليًا].

قال السائل: لو كانوا جميعهم قد أكلوا بصلا؟


(١) البيان والتحصيل (١/ ٤٦٠)، وانظر: شرح البخاري لابن بطال (٢/ ٤٦٧)، المسالك في شرح الموطأ (١/ ٤٨٠)، الفواكه الدواني (٢/ ٣٢٠).
(٢) المحلى، مسألة (١٠٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>