للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قال ابن حجر: «قد علل المنع في الحديث بترك أذى الملائكة، وترك أذى المسلمين، فإن كان كل منهما جزءَ علة اختص النهي بالمساجد وما في معناها، وهذا هو الأظهر، وإلا لعم النهي كلَّ مجمع، كالأسواق، ويؤيد هذا البحث قوله في حديث أبي سعيد عند مسلم (من أكل من هذه الشجرة شيئًا فلا يقربنا في المسجد) قال القاضي ابن العربي: ذكر الصفة في الحكم يدل على التعليل بها» (١).

يقصد ابن العربي أن شبه الجملة (في المسجد) متعلق بمحذوف حال من الضمير (نا): أي فلا يقربنا حال كوننا في المسجد، والحال هو صفة في المعنى؛ لكونه مشتقًّا.

وجاء في حاشية الرملي على أسنى المطالب: «ولو اتفق أن أهل بلد جميعهم أكلوا بصلًا ونحوه يوم الجمعة، وتعذر زوال رائحته، فهل يكره حضورهم فتسقط عنهم الجمعة أم لا؟ فقال: يجب حضورهم، وصلاتهم الجمعة» (٢).

وقال الماوردي: «لو أكله أهل المسجد كلهم لم يمنعوا منه» (٣).

هذه الفتوى مبنية على أن جزءًا من العلة قد تَخَلَف، وهي أذية المصلين، فيتخلف الحكم تبعًا لذلك، ولا تستقل بالحكم أذية الملائكة.

ولأننا لو عللنا الحكم بأذية الملائكة لحرمنا أكل الثوم مطلقًا؛ لأن الحفظة لا ينفكون عن المكلف عن اليمين وعن الشمال.

«ولأن الملائكة موجودون في غير المسجد أيضًا، فما وجه التقييد بالمسجد؟ وقد يجاب: بأن المنع من غير المسجد تضييق لا يحتمل، وما من محل إلا وتوجد الملائكة فيه، وأيضًا يمكن الملائكة البعد عنه في غير المسجد، بخلاف المسجد، فإنهم يحبون ملازمته فليتأمل» (٤).

ولا ينفصل عن هذا اللازم بالقول: إن عدد الملائكة بالمسجد أكثر؛ لأن الأذية للواحد كالأذية للجمع في المنع، فالأذى ممنوع، ولأن الحكم لو علق بعدد الملائكة لاختلف الحكم بين المسجد الصغير والكبير، وإنما الذي له تأثير في


(١) فتح الباري (٢/ ٣٤٣).
(٢) أسنى المطالب (١/ ٢١٥).
(٣) حاشية ابن قاسم العبادي على التحفة (٢/ ٢٧٥).
(٤) حاشية ابن قاسم العبادي على تحفة المحتاج (٢/ ٢٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>