للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

بسبب أكل هذه الأمور. واللازم عن ذلك أحد أمرين:

إما أن يكون أكل هذه الأمور مباحًا، وصلاة الجماعة غير واجبة على الأعيان.

أو تكون الجماعة واجبة على الأعيان، ويمتنع أكل هذه الأشياء إذا آذت، إن حملنا النهي عن القربان على التحريم، وجمهور الأمة على إباحة أكلها؛ لقوله : (ليس لي تحريم ما أحل الله، ولكني أكرهه).

ولأنه علل بشيء يختص به. وهو قوله : (فإني أناجي من لا تناجي).

ويلزم من هذا: أن لا تكون الجماعة في المسجد واجبة على الأعيان.

وتقريره: أن يقال: أكل هذه الأمور جائز بما ذكرناه، ومن لوازمه: ترك صلاة الجماعة في حق آكلها للحديث. ولازم الجائز جائز. فترك الجماعة في حق آكلها جائز. وذلك ينافي الوجوب عليه. ونقل عن أهل الظاهر أو بعضهم: تحريم أكل الثوم، بناء على وجوب صلاة الجماعة على الأعيان» (١).

وحيث إن صلاة الجمعة مجمع على وجوبها، فيلزم منه وجوب الامتناع عن أكلها يوم الجمعة؛ لأنه جعل ما كان واجبًا على الأعيان يمتنع عليه تناول ما يمنعه من شهود ذلك، والله أعلم.

وأما من قال: يحرم دخول المسجد لمن أكل ثومًا، وهو مذهب الحنفية، والمشهور من مذهب المالكية، ووجه في مذهب الحنابلة، ومذهب الظاهرية، فاختلفوا أيضًا على أقوال:

القول الأول:

يحرم أكلها على كل من علم بخروج الوقت، أو فوات الجمعة قبل زوال الرائحة، وهذا توجيه من قال بوجوب الجماعة والجمعة، كالحنفية، وابن حزم (٢).


(١) إحكام الأحكام (١/ ٣٠٢).
(٢) قال العيني في شرح البخاري: «وهذا عذر في ترك الجمعة والجماعة؛ وذلك لأن رائحته تؤذي جاره في المسجد، وتنفر الملائكة عنها».
وقال ابن عابدين في حاشيته (١/ ٦٦١، ٦٦٢): «كونه يعذر بذلك -يعني بأكل الثوم- ينبغي تقييده بما إذا أكل ذلك بعذر، أو أكل ناسيًا قرب دخول وقت الصلاة؛ لئلا يكون مباشرًا لما يقطعه عن الجماعة بصنعه».
وذكر أبو سعيد الخادمي من الحنفية، في بريقة محمودية: «من أكل ما له رائحة كريهة إن كان ناسيًا، أو على ظن زواله قبل دخول الوقت، فلم يزل، فلا إثم عليه بترك الجماعة، وإن أكل قصدًا مع الجزم بعدم زواله، فيجب عليه القعود، ويأثم».
وقال ابن حجر في الفتح (٢/ ٣٤٣): «صرح ابن حزم بأن أكلها حلال، مع قوله بأن الجماعة فرض عين، وانفصل عن اللزوم المذكور: بأن المنع من أكلها مختص بمن علم بخروج الوقت قبل زوال الرائحة، ونظيره: أن صلاة الجمعة فرض عين بشروطها، ومع ذلك تسقط بالسفر، وهو في أصله مباح، لكن يحرم على من أنشأه بعد سماع النداء».
ولم أقف على هذا الكلام في المحلى، وإنما قال في المحلى (٢/ ٣٦٧): «ومن أكل ثومًا أو بصلًا أو كراثًا ففرض عليه أن لا يصلي في المسجد حتى تذهب الرائحة، وفرض إخراجه من المسجد إن دخله قبل انقطاع الرائحة، فإن صلى في المسجد كذلك فلا صلاة له».

<<  <  ج: ص:  >  >>