ولو صح لم يكن فيه دليل؛ لأن المسافر لا تجب عليه الجمعة، فضلًا عن الجماعة، فكان التخفيف مَرْعِيًّا حالة السفر، بخلاف المقيم، والله أعلم.
الدليل الثاني:
لو كان قيد الشديد ملحوظًا لجاء في النصوص ما يدل على ضبطه؛ لأنه ما من شديد إلا وفيه ما هو أشد منه، والناس فيهم المتشدد، وفيهم المفرط، والأمر يتعلق بأمر عظيم، وهو الصلاة.
الدليل الثالث:
إذا كان اشتراط الشدة في الوحل من أجل أن الحكم معلل بالمشقة، وأن الخفيف لا مشقة فيه.
فالشارع لا يعلل الأحكام إلا بعلة منضبطة، فالرخصة العامة يستوي فيها وجود المشقة وعدمها، فالمسافر له أن يفطر ويقصر لعلة السفر، سواء وجدت المشقة أو لم توجد، فهذان ركنان من أركان الإسلام أباح الشارع للمكلف الترخص فيهما إذا وجد السفر، ولم تقيد الرخصة بالمشقة، فكذلك التخلف عن الجماعة ينبغي أن يعلق الأمر بوجود الوحل، لا بالمشقة.
• ويناقش:
أن السفر لا ينفك من المشقة، فعلق الحكم بالسفر، ولم يعلق بالحكمة التي شرع القصر والإفطار من أجلها.
(ح-٢٩٨٣) فقد روى البخاري ومسلم من طريق مالك، عن سمي، عن أبي صالح،
عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ، قال: السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه، وطعامه، فإذا قضى نهمته من وجهه فليعجل إلى أهله (١).
بخلاف التخلف عن الجماعة، حيث نص الفقهاء أن العلة هي المشقة مع علمهم أن المشقة لا تنضبط، فكان ذلك دليلًا على التخفيف والسعة، بحيث لا يتشدد الناس في تقدير ذلك، وإلا لما علل الحكم بالمشقة، فإذا كانت المشقة ظاهرة في تقدير أغلب الناس أنيط الحكم بها، ولا عبرة بالمتشدد، ولا بالمتهاون، ومن أراد ألا يتخلف فله ذلك، وكثير من أحكام الشريعة ردت إلى عرف الناس