للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

لأن العلة في سقوط الجماعة هي المشقة، ولا مشقة بالريح الخفيفة.

وكما أن البرد في الحديث لم يقيد بالشديد، ولا تسقط الجماعة في مطلق البرد؛ فأرض الحجاز بلاد باردة شتاء، وحارة صيفًا، ولم ينقل أن النبي كان يدع الجماعة لمجرد البرد المعتاد، فالبرد المقصود به البرد الخارج عن المعتاد، وهذا لا يكون إلا شديدًا، فإذا كان هذا الحكم في الأصل، فكذلك الحكم في الريح؛ لأن ما ثبت في الأصل ثبت في الفرع المقيس.

وترك الشارع تقدير ذلك للناس، وهم متفاوتون خلقة في التحمل، فمن الناس من يتحمل البرد والريح، ولا يشعر بهما، ومن الناس من يؤذيه البرد والريح، وبُنْيَتُه الجسدية لا تحتمله، فلو قيد الشارع الرخصة بالشديد لتنازع الناس في تقدير ذلك.

ونص الحديث: (في ليلة ذات برد وريح) ظاهره أن الرخصة واردة على اجتماع البرد والريح، وقد قال بذلك الحنابلة بأن تكون الريح باردة.

(ح-٢٩٦٨) وقد روى البخاري من طريق عبيد الله بن عمر قال: حدثني نافع به … وفيه: فأخبرنا أن رسول الله كان يأمر مؤذنًا يؤذن، ثم يقول على إثره: ألا صلوا في الرحال في الليلة الباردة، أو المطيرة في السفر (١).

فإذا كان البرد وحده عذرًا كالمطر كما نص عليه الحديث (في الليلة الباردة أو المطيرة)، فكذلك الريح الشديدة عذر في الترخص، فيحصل بها من الأذى ما يحصل من البرد وحده، أو من المطر وحده، فكان اجتماعهما في فعل ابن عمر بيانًا للواقع، وليس شرطًا لإباحة الترخص.

وإذا كانت العلة في سقوط الجماعة بالريح هو الأذى، لم يكن هناك فرق بين الحضر والسفر، كما أن الجمع بين الصلاتين لعلة المطر لم يفرق فيه بين الحضر والسفر، والله أعلم.

الدليل الثاني:

من الإجماع، قال ابن بطال: «أجمع العلماء على أن التخلف عن الجماعات في شدة


(١) صحيح البخاري (٦٣٢)، وصحيح مسلم (٢٣ - ٦٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>