للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

في الترخص هو المشقة، والمشقة هي الحكمة التي جعلت الشارع يخفف عن المكلف، والتعليل بالحكمة موضع خلاف بين الأصوليين، ومن علل بالحكمة فاشترط أن تكون الحكمة ظاهرة منضبطة بنفسها، والمشقة علة غير منضبطة، والناس يتفاوتون في تقديرها، والأحكام لا تعلل إلا بما هو منضبط، ولذلك الشارع ما أناط الفطر والقصر في السفر بالمشقة، بل بالسفر، فإذا وجد السفر شرع الترخص، سواء أشق ذلك أم لا، وإن كانت المشقة هي الحكمة من مشروعية الفطر والقصر في السفر، ولا أظنه ينازع في ذلك أحد، فإذا أنيط الترخص في سقوط الجماعة بالريح الشديدة فهو بمنزلة من جعل المشقة علة في الترخص في سقوط الجماعة، وإنما ذلك حكمة الحكم، لا علته؛ لتفاوت الناس في تقدير الشدة والمشقة المحتملة من غيرها، والله أعلم.

وإذا لم يأت في النصوص تقييد البرد بالشديد، فكذلك القول بالريح؛ لأن الريح؛ مقيس على البرد، والله أعلم.

• دليل من قال: يشترط في الريح أن تكون شديدة:

الدليل الأول:

(ح-٢٩٦٧) ما رواه البخاري من طريق مالك، عن نافع:

أن ابن عمر أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح، ثم قال: ألا صلوا في الرحال، ثم قال: إن رسول الله كان يأمر المؤذن، إذا كانت ليلة ذات برد ومطر، يقول: ألا صلوا في الرحال (١).

وجه الاستدلال:

أن ابن عمر استدل برخصة البرد والمطر على رخصة البرد والريح، لعلة المشقة فيهما.

يقول الباجي: «قاس ابن عمر حال الريح بحال المطر، والعلة الجامعة المشقة اللاحقة» (٢).

ولجوء ابن عمر إلى القياس دليل على أن الريح لا نص فيها، ولكن القياس يقتضيه.

وإنما قيد المالكية والشافعية الريح بالشديدة، وإن لم ترد نصًّا في الحديث؛


(١) صحيح البخاري (٦٦٦)، صحيح مسلم (٢٢ - ٦٩٧).
(٢) المنتقى (١/ ١٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>