الأمر الثاني: أن يكون مرد الخلاف إلى التفريق بين الحكم الشرعي، والدلالة اللغوية، والحكم الشرعي قد يتفق مع اللغة وقد يختلف، وليس المطلوب أن يكون الحكم الشرعي فرعًا عن اللغة، كالإيمان في اللغة مجرد التصديق، وفي الشرع: قول وعمل واعتقاد، ولذلك عندما اعترض ابن عباس على عثمان باللغة: بأن الأخوَانِ في لسان قومك وكلام قومك ليسا بإخوة، فلماذا تحجب الأم إلى السدس بالأخوين؟ رد عليه عثمان بالإجماع الشرعي، وهو مقدم على الحقيقة اللغوية.
فمحل الخلاف عند أهل اللغة في اللفظ المسمى ب (الجمع)، مثل قولهم: رجال ومسلمون، وغيره من جموع القلة هل يطلق على الاثنين، أو لا يطلق إلا على الثلاثة فما زاد، وهذا خلاف لغوي، وأما الحكم الشرعي فالفقهاء متفقون على أن ثواب الجماعة يحصل باثنين، ونقلت الإجماع فيما سبق، وكذلك الشأن في المواريث لم يخالف فيه إلا ابن عباس، ولم يصح عنه؛ لأنه يبعد أن يحكى الإجماع على أن الجماعة تنعقد باثنين، ثم يخالف ذلك جمهور أهل الأصول في أقل الجمع.
الأمر الثالث: قد قال بعضهم: إن إطلاق الاثنين على الجمع من قبيل المجاز، وإطلاق الثلاثة فما زاد على الحقيقة، والله أعلم.
الأمر الرابع: أن تكون اللغة أطلقت الجمع على الاثنين كما في مر معنا في الآيات الكريمة، والقرآن مصدر يؤخذ منه حكم اللغة، وليس العكس، وخصص العرف إطلاق الجمع على الثلاث فما زاد، كما قالوا: اختصاص لفظ الدابة بذوات الأربع عرفًا، وإن كان في أصل اللغة لكل ما دب.
• دليل من قال: أقل الجمع ثلاثة:
الدليل الأول:
(ث-٧٥٧) ما رواه ابن جرير الطبري من طريق شعبة مولى ابن عباس،
عن ابن عباس: أنه دخل على عثمان ﵁ فقال: لم صار الأَخوانِ يردَّان الأم إلى السدس، وإنما قال الله: ﴿فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ﴾، والأخوان في لسان قومك وكلام قومك ليسا بإخوة؟ فقال عثمان ﵀: هل أستطيع نقض أمر