للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ولكن للعلم أمانته، وليس القول بالجواز بأسهل على المفتي من القول بالوجوب، فالفتوى أمانة تَحمَّلها طالب العلم، لا يفتي بما يشتهيه هو، ولا بما يتمناه بعض الناس، والتقول في أحكام الله ليس بالأمر السهل، قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾ [الحاقة: ٤٤، ٤٥، ٤٦].

وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (٦٩) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ﴾ [يونس: ٧٠].

والفتوى قد تحكمها السياسة الشرعية، ولكن البحث العلمي الموجه لطلبة العلم يجب ألا يحابي أحدًا، فمقام العلم يختلف عن مقام الوعظ، وخطاب العلم موجه للمنتهي من طلبة العلم، وليس للمبتدئ منهم فضلًا عن العوام، ولا نملك أن نزوِّر أقوال أهل العلم فلا نقول: إن صلاة الجماعة في المسجد ليست واجبة عند الأئمة الأربعة لمصلحة بعض الوعاظ، ولو طبقنا معيار هؤلاء لم نطبع المغني لابن قدامة؛ لأنه يقول في كتابه: «ويجوز فعلها في البيت … إلى أن قال: الأخبار الصحيحة دالة على أن الصلاة في غير المسجد صحيحة جائزة».

ولم نطبع المجموع للنووي ولا شرحه على صحيح مسلم.

يقول النووي في شرح مسلم: «والمختار: أنها فرض كفاية. وقيل سنة. وبسطت دلائل كل هذا واضحة في شرح المهذب» (١).

ولم نطبع فتح الباري لابن حجر؛ لأنه يذهب إلى أن حديث الهم بالتحريق منسوخ بالأحاديث الواردة في تفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفذ (٢).

ولم نطبع التمهيد لابن عبد البر، ولا الاستذكار للسبب نفسه (٣).

ولو كان الخوف على الناس من أن يحملهم ذلك على ترك صلاة الجماعة مع ما فيها من الفضل العظيم لو كان مثل ذلك مانعًا من البوح بقول الأئمة الأربعة لمنع


(١) شرح النووي على صحيح مسلم (٥/ ١٥١).
(٢) فتح الباري، ط: السلفية (٢/ ١٢٧).
(٣) الاستذكار (٢/ ١٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>