للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ذلك الإمام أحمد حين سئل، وهو في بيت إبراهيم الليثي، وقد سمعوا النداء، أين نصلي؟ فاختار الصلاة في بيت إبراهيم الليثي، وقد صلى معه جماعة كثيرة من أهل القدوة من علماء ومحدثين وعلى رأسهم الإمام علي بن المديني، فهل يا ترى غاب عن نظر الإمام أحمد -وهو إمام في العلم والورع- وغاب عن نظر من كان معه من أهل العلم أنهم في موضع القدوة للناس من أهل عصرهم فمن بعدهم، فإذا لم يمنع مثل ذلك الإمام أحمد وابن المديني وهم موضع القدوة لم يمنع غيرهم.

ولا يسوغ لطالب العلم إذا أُشرِبَ قولًا أن يجحد غيره من الأقوال وأدلة المخالفين، فإذا هوى القول، وكانت الكثرة في صالحه كانت أمارة على الصواب، ويعترض عليك بأن قولك مخالف لمذهب أكثر أهل العلم، وإذا اعترضت عليه بالكثرة في مسألة أخرى، قال لك: الكثرة ليست مظنة الإصابة محتجًّا عليك بقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ١١٦].

وإذا كان قول الصحابي لصالحه احتج به، وإذا لم يرجحه، قال لك: هل الصحابي نبي، وهل الصحابي معصوم.

وإذا هوى القول تمسك بأشباه الأدلة، وإذا لم يهواه لم يقنعه الدليل الظني، ويطالبك بأن يكون دليلك قطعيًّا متيقنًا، ويرد النص بأدنى تأويل.

وإذا اشتهى الدليل تخفف من الشروط، فيقنعه تصحيح ابن حبان وتوثيقه وتصحيح الحاكم، وربما قال لك: احتجَّ به أبو داود والترمذي، وإذا اعترضت عليه بأن الاحتجاج أوسع من التصحيح عند الأئمة، وهؤلاء لم يشترطوا الصحة.

قال لك: نعم لكن هذه قرائن لا يجوز إهمالها، وإذا لم يرض عن الدليل خطَّأ الإمام أحمد في التصحيح والتضعيف، وصدَّر أدلة المخالفين بالقول: الجواب عن شبهات القائلين بكذا وكذا.

وصدق الله: ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ [الزخرف: ٥٨].

وقال تعالى: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ [الكهف: ٥٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>