للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وتعليم الجاهل، وتفقُّد المريض والمحتاج لا تجعل الناس يزهدون فيها بمجرد أنها ليست واجبة، وتعطيلها لا يجوز؛ لأن القيام بها شعيرة، وهو من فروض الكفايات.

وهذا الأجر العظيم للجماعة لا يحمل طالب العلم أن يقول بالوجوب من باب السياسية الشرعية؛ فإن الفضل في ركعتي الفجر قد قيل فيها: (خير من الدنيا وما فيها)، ولا يحمل ذلك من باب الترغيب فيها أن يقول بوجوبهما، وكل كتب أهل العلم تحكي الخلاف في حكم صلاة الجماعة بلا تحفظ، وهذا البحث ليس بدعًا من البحوث قديمها وحديثها. والسؤال يوم القيامة: ﴿مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: ٦٥].

قال قتادة بن دعامة: «﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾، قال: هؤلاء أصحاب نبيِّ الله ، لو أطاعهم نبيُّ الله في كثير من الأمر لعَنِتوا، فأنتم -واللهِ- أسخف قلوبًا، وأطيش عقولًا، فاتّهَم رجلٌ رأيَه، وانتصح كتاب الله؛ فإنّ كتاب الله ثِقة لِمَنْ أخذ به وانتهى إليه، وإنّ ما سوى كتاب الله تغرير» (١). اه

وإذا كان هذا في حق أفضل البشر بعد الأنبياء، وأكملهم ديانة، وفقهًا، وورعًا، ورأيًا، وحرصًا، لو يطيعهم رسول الله في كثير من اجتهادهم، ليس في مسألة أو مسألتين لعنتوا، والعنت المشقة والإثم، وإذا كان هذا في حق من حبب الله لهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، فما بالك ببعض صالحي عصرنا، لو أن طالب العلم نزل عند رغبتهم، والتمس موافقتهم في كل ما يكتب، لوقعنا فيما حذرت منه الآية: سنة الله، ﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب: ٦٢]، فالله المستعان.

والأئمة القائلون بسنية صلاة الجماعة فيهم ربما من لا تفوته تكبيرة الافتتاح،


(١) رواه ابن جرير الطبري (٢٢/ ٢٩١) من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، وسنده صحيح.
ونسبه في الدر المنثور (٧/ ٥٥٩) لعبد بن حميد وابن جرير.
وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (٢٩٣٠) مختصرًا عن معمر، عن قتادة. ورواية معمر عن قتادة فيها كلام، لكن لم ينفرد به. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>