الأمر الثالث: أن حديث الهم بالتحريق كان محل إشكال من حيث إن تارك الجماعة يعاقب بفوات الجماعة الأولى، والصلاة والجماعة لا تفوت بفوات الجماعة الأولى؛ لحديث أبي سعيد:(من يتصدق على هذا)، ولكون النبي ص هم أن أن يأمر بالصلاة فتقام، ثم يأمر رجلًا فيصلي بالناس، فيدع الجماعة الأولى بعد تعين الدخول فيها بإقامة الصلاة.
وقد اعترض عليه من وجوه كثيرة ذكرتها في البحث.
الأمر الرابع: أن الاختلاف في وجوب الجماعة يجعل المتيقن هو القول بالمشروعية، وهو إجماع، والتأثيم مختلف فيه، والأصل عدمه، خاصة عند تعارض الأدلة، إلا بدليل سالم من المعارضة، وأي معارضة أكثر من عشرة أدلة كلها تدل على جواز صلاة المنفرد، وأكثرها في الصحيح، والله أعلم.
هذا ما ظهر لي في حكم هذه المسألة، ولم يكتب هذا البحث ليكون دعوة للناس للتكاسل في ترك المساجد؛ لأن تعطيل المساجد بالإجماع لا يجوز، ولأن ذلك تهمة تنال حتى من الأئمة الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في المشهور من مذهبه: أن الصلاة في المسجد سنة.
وللإمام رواية ثانية بالوجوب.
وإذا كان قول الإمام مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد لم يصدَّ الناس عن الصلاة في المسجد، أترى قول غيرهم يصد الناس عنه، فهذا الزعم من قبيل التوهم.
وهذا الهاجس عند بعض الصالحين ليس بلازم، وما زالت مساجد المسلمين عامرة بالجماعة حتى في تلك البلاد التي تتقلد مذهب المالكية والشافعية على مرَّ العصور، ولم تتعطل الجماعات بسبب ما عليه الفتوى في تلك البلاد، فالفضل الكبير للجماعة وما يترتب عليها من الفضائل، من تكفير السيئات، ورفعة الدرجات بالسعي إليها، واستغفار الملائكة، واجتماع الكلمة، وتأليف القلوب،