والاعتراضات، مرده بشرية الباحث، واستيلاء النقص على الجنس البشري الضعيف، وتأكيد لمعجزة القرآن الذي وصفه الله تعالى بقوله: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٢].
وقد تبين لي من خلال البحث ما يأتي:
القول بأن الجماعة شرط لصحة الصلاة من أضعف الأقوال، وحديث أبي هريرة وابن عمر وأبي موسى وأبي بن كعب في المفاضلة بين صلاة الفذ وصلاة الجماعة تبطل هذا القول.
ومثله في الضعف من قال: الجماعة فرض كفاية؛ لأن فرض الكفاية كان قائمًا بفعل رسول الله ﷺ ومن معه، ومع ذلك فقد هم النبي ﷺ بالتحريق للمتخلفين.
بقي النظر في قول من قال: الجماعة فرض عين، ومن قال: إنها سنة مؤكدة.
فمن قال: الجماعة فرض عين، فدليله الأقوى حديث أبي هريرة في الصحيحين في الهم بتحريق المتخلف، وهذا لا نزاع في صحته، وكون التحريق همًّا وليس عزمًا، أو كونه ليس واجب النفاذ، أو ممتنعًا لذاته أو لغيره، كل ذلك لا يلغي دلالة الحديث على وجوب الجماعة، فالنبي ﷺ لم يكن ليقع منه هذا الهم لو كان المتوعد عليه جائز الترك، فالتوعد بالعقاب -ولو كان نفاذه ممتنعًا- دليل على الوجوب.
إلا أن الأئمة الأربعة كما بينت لك في البحث لم يأخذوا بدلالة حديث أبي هريرة على وجوب الجماعة في المسجد، واعترض على دلالته بعدة اعتراضات ناقشتها في البحث، منها القوي، ومنها المتوسط، ومنها الضعيف.
وأما حديث أبي هريرة في قصة ابن أبي مكتوم، فقد ظهر لي أنه معلٌّ سندًا ومتنًا، حتى قال الجوزجاني فيما نقله الحافظ ابن رجب عنه، وأقره:«إن حديث ابن أم مكتوم لم يقل أحد من الفقهاء بظاهره».
ومن قال: الجماعة سنة مؤكدة، فله جمع من الأدلة غير مدفوعة، منها:
الأول والثاني: حديث: (إذا صلى أحدكم في رحله .... )، صحيح من حديث يزيد بن الأسود، وحسن من حديث محجن بن الأدرع.
والثالث والرابع والخامس: حديث أبي هريرة وأبي موسى وحديث أبي بن كعب في