للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

علمته من فقهاء الأمة، إلا من لا بصر له ولا معرفة عنده» (١).

وهناك من يقول: لا إنكار في مسائل الخلاف؛ لأن الإنكار يختص بالمنكر، ولا منكر في المسائل الخلافية؛ إذ كيف يكون المخالف قد ارتكب منكرًا، وهو يجب عليه شرعًا التزام ما يراه راجحًا، ولو خالفه كان مستحقًا للإثم، وهل يرد الوجوب والتحريم على شيء واحد، فيكون المجتهد مأمورًا باتباع اجتهاده، ويكون غيره مأمورًا بإنكار ذلك عليه؟

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «المجتهد المستدل من إمام وحاكم وعالم وناظر ومفتٍ وغير ذلك إذا اجتهد واستدل فاتقى اللَّه ما استطاع، كان هذا هو الذي كلفه اللَّه إياه، وهو مطيع للَّه مستحق للثواب إذا اتقاه ما استطاع ولا يعاقبه اللَّه البتة … وهو مصيب؛ بمعنى: أنه مطيع لله، لكن قد يعلم الحق في نفس الأمر وقد لا يعلمه» (٢).

وهذا لا يفتح باب الإعذار للمجتهد ليتكلم ويرجح قبل أن يبحث، وينظر في الأدلة، ويتحرى طاقته للوقوف على أقرب الأقوال إلى الحق، فالأمر خطير جد خطير (٣).

وهناك من يقول يشرع الإنكار في مسائل الخلاف؛ إلا أنه يقول مع ذلك: إن المنكر عليه لا إثم عليه فيما فعله، ولا تضييق عليه في اجتهاده.

وظاهر هذا القول تشريع الإنكار في كل مسائل الخلاف، فإن كان هذا الظاهر


(١) جامع بيان العلم وفضله (٢/ ٩٢٢).
(٢) مجموع الفتاوى (١٩/ ٢١٦).
(٣) ذكر الله عتابه للنبي على اجتهاده في أكثر من موضع من كتابه، مما يدل على أنه ليس كل اجتهاد مظنة الثواب، منها:
الموضع الأول: في أسرى بدر، قال تعالى: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [الأنفال: ٦٧، ٦٨].
والموضع الثاني: في العفو عن المتخلفين عن الجهاد، قال تعالى: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٤٣].
ولا يكون العفو إلا في موضع المؤاخذة، ويلزم منه بطريق الاقتضاء وجود الخطأ، فلو كان كل خطأ في الاجتهاد مظنة الثواب لما جاءت الآية بالعفو.

<<  <  ج: ص:  >  >>