للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

حيث تلقوا الأوامر الشرعية من النبي ، بلا واسطة، وهي منقبة للصحابة وحدهم، بخلاف غيرهم فهو يتعامل مع النص بحسب ما تقتضيه الدلالة اللفظية فقط، وشتان بين هذا وذاك، وقد تجد بعض الجدليين يناقشك بالمثال: في حكم اتباع النساء للجنائز، وينسى التقعيد، وهو الأهم.

يقول الطاهر بن عاشور في توكيد هذا الأصل: «يقصر بعض العلماء ويتوحّل في خضخاض من الأغلاط حين يقتصر في استنباط أحكام الشريعة على اعتصار الألفاظ، ويوجّه رأيه إلى اللفظ مقتنعًا به، فلا يزال يقلَّبه ويحلّله ويأمل أن يستخرج لُبَّه، ويهمل ما قدمناه من الاستعانة بما يحف بالكلام من حافات القرائن والاصطلاحات والسياق، وإنّ أدق مقام في الدلالة وأحوجه إلى الاستعانة عليها مقام التشريع، وفي هذا العمل تتفاوت مراتب الفقهاء، وترى جميعهم لم يستغنوا عن استقصاء تصرّفات الرسول ولا على استنباط العلل، وكانوا في عصر التابعين وتابعيهم يشدّون الرحال إلى المدينة ليتبصّروا من آثار الرسول وأعماله وعمل الصحابة، ومن صحبهم من التابعين. هنالك يتبيّن لهم ما يدفع عنهم احتمالات كثيرة في دلالات الألفاظ، وليتضح لهم ما يستنبط من العلل تبعًا لمعرفة الحكم والمقاصد. وفي هذا المقام ظهر تقصير الظاهرية وبعض المحدّثين المقتصرين في التَفَقُّه على الأخبار» (١).

ولا أريد أن أستعرض أسباب الخلاف بين العلماء فقد ألفت فيها كتب، المهم أن المسائل التي حفظ فيها الخلاف من لدن السلف لا يصح حمل الناس فيها على قول واحد، ووجود الخلاف فيها ليس مسوغًا للتخير بينها تخير تشهٍ، بلا مرجح شرعي، فالخلاف ليس من أدلة الشرع.

قال ابن عبد البر في التمهيد «وقد أجمع المسلمون أن الخلاف ليس بحجة، وأن عنده يلزم طلب الدليل والحجة؛ ليبين الحق منه» (٢).

وقال أيضًا في جامع بيان العلم وفضله: «الاختلاف ليس بحجة عند أحد


(١) مقاصد الشريعة الإسلامية (٣/ ٨١).
(٢) التمهيد، ت: بشار (١/ ٣٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>