للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الانشقاق: ٢٢، ٢٣، ٢٤].

فعلم أن الآيات لا تخاطب الكفار بسجود التلاوة، ولو كانت الآيات في سجود التلاوة لكان الخطاب فيها للمؤمنين؛ لأنه فرع من فروع الشريعة، فلمِّا خاطب به الكفار، علمنا أن المراد به الاستسلام لله، والخضوع والانقياد لكتابه، وهذا هو معنى السجود اللغوي المنفي عن القوم.

الدليل الثالث:

قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾. [السجدة: ١٥].

وجه الاستدلال:

يقول ابن تيمية: «سماعه -يعني القرآن- سبب الأمر بالسجود، لكن السجود المأمور به عند سماع القرآن كما أنه ليس مختصًا بسجود الصلاة، فليس هو مختصًا بسجود التلاوة، فمن ظن هذا أو هذا فقد غلط، بل هو متناول لهما جميعًا كما بينه الرسول » (١).

وذكر أيضًا: أن هذا الكلام يقتضي أنه لا يؤمن بآياته إلا من إذا ذكر بها خرَّ ساجدًا، وسبح بحمد ربه، وهو لا يستكبر، وهذا يَعُمُّ الآيات التي شُرِعَ فيها سجودُ التلاوة وغيرَها، ولا يجوز حملُه على تلك الآيات فقط، لأنها قليلة يسيرةٌ من حيث آيات الله ﷿، فالذي إذا ذكر بجميع آيات القرآن يخرُّ ساجدًا هو المصلي، فإنه يذكر بآيات الله بقراءة الإمام، والإمام يذكر بقراءة نفسه، فلا يكون مؤمنًا حتى يخر سجدًا إذا ذكر بآيات الله (٢).

فالذي فهمته من كلام ابن تيمية : أن التذكير بآيات الله سبب وموجب للسجود، فإن كان التذكير بآية تلاوة فذلك ظاهر، والسجود يكون مباشرة، وإن كان التذكير بغيرها فالمؤمن يسجد كذلك، ولكن بعد الركوع والرفع منه، فهو سجود مرتب ينتقل إلى الركوع، وهو نوع من السجود لقوله تعالى: ﴿وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ﴾


(١) مجموع الفتاوى (٢٣/ ١٤٠).
(٢) انظر: جامع المسائل لابن تيمية، ط دار عطاءات العلم (٦/ ٢٩٣)، مجموع الفتاوى (٣٢/ ١٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>