للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فسواء فسرنا السجود بالخضوع والاستسلام، أو فسرناه بمعنى: لا يصلون، فعلى كلا المعنيين لا يدخل فيه سجود التلاوة، وهو سجود عارض يتعلق ببضع آيات من القرآن الكريم، فكيف تحمل آيات السجود التي يخاطب بها الكفار على هذا السجود العارض، وليس على الاستسلام لله والخضوع له، والانقياد لأحكام كتابه؟ فمن انقاد لأحكام القرآن لم يضره ألا يسجد عند قراءة آية التلاوة، وترك سجود التلاوة لا ينافي الإيمان بالله، ولا يلزم من تركه التكذيب، حتى ولو كان سجود التلاوة واجبًا، غايته أن يكون عاصيًا.

يقول القاضي أبو يعلى: «ذم الكفار على تركهم الإيمان، وترك السجود تكذيبًا ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ﴾ [الانشقاق: ٢٢] يعني: بما يجمعون في صدورهم من الكفر والشرك، وإذا ترك سجود القرآن على هذا الوجه فهو مذموم يستحق الوعيد.

فإن قيل: الكافر لا يستحق الذم على ترك ما ليس بواجب، فلما ذمهم على ترك السجود عند تلاوته دلَّ ذلك على وجوبه.

قيل له: إنما ذمهم على تركه على هذا الوجه الذي ذكرنا، وهو تركهم له تكذيبًا وكفرًا، وذلك يستحق الذم، وقد قيل: لما أضاف ذلك إلى جميع القرآن دل على أن المراد به ما ذكرنا» (١).

والدليل على ما ذكره أبو يعلى أن الذم للكفار لا يختص بالسجود، ما ذكره ابن القصار، قال: « .... لو سجدوا ألف مرة في النهار مع كونهم كفارًا كان الذم لاحقًا بهم، فعلمنا أن الذم لا يختص بالسجود، ويزيد هذا بيانًا قوله تعالى: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ﴾ فلم يقع الوعيد إلا على التكذيب (٢).

قلت: السجود له حقيقة لغوية، وحقيقة شرعية، فاللغوية: هي الخضوع والاستسلام، وقد دل السياق أن المقصود به السجود اللغوي؛ لأن الآية تتحدث عن الكفار، ولهذا قال: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (٢٣) فَبَشِّرْهُمْ


(١) التعليق الكبير (١/ ٢٨٢، ٢٨٣).
(٢) شرح البخاري لابن بطال (٣/ ٦١، ٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>