للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الجواب الثاني:

لو سلمنا أن الأثر صحيح عن ابن عمر ، فهو قول صحابي فليس بحجة إما مطلقًا، وإما إذا خالفه صحابي آخر، وقد عارضه غيره، فهذا ابن مسعود صح عنه أنه يرى التسليم من سجود التلاوة، وهذا يدل على أنه في حكم الصلاة، فإذا كان له تحليل، كان له تحريم، فأشبه الصلاة، وأما سجود القراءة فلوجود عارض يمنع من القراءة، وهو حال السجود؛ فإنه حال منهي عن القراءة فيه، وهناك من العلماء من يرى صلاة الجنازة لا قراءة فيها، وهي داخلة في مسمى الصلاة، وتشترط لها الطهارة بالإجماع إلا خلافًا شاذًا عن الشعبي، فلا تلازم بين القراءة ووجوب الطهارة.

ومن الآثار المعارضة لابن عمر: ما يروى عن عثمان، أنه أمر الحائض أن تومئ برأسها، فلولا أنه يرى أنها ممنوعة من السجود لأمرها بالسجود، كما تسجد المرأة الطاهر، إضافة إلى ذلك ما يروى عن ابن عمر نفسه أنه قال: لا يسجد إلا وهو طاهر، ولا يصلي الجنازة إلا وهو طاهر.

فإن قلت: هذا الأثر معلٌّ. قيل قد روي عن ابن عمر بسند صحيح كالشمس،

(ث-٦٣٦) فقد روى عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن سالم، قال: كان ابن عمر يصيح عليهم إذا رآهم، يعني القصاص يسجدون بعد الصبح.

قال عبد الرزاق: قال معمر: وأخبرنيه أيوب عن نافع (١).

فالإسناد الأول قد قيل فيه: إنه من أصح الأسانيد، فلو كان ابن عمر لا يعتبر السجود داخلًا في مسمى الصلاة ما أنكر عليهم السجود في وقت النهي، فإنكاره دليل


= قد رواه من الوجه الثاني، فيقال لعله حدثه على الوجهين، أو صرح إمام من أئمة العلل بمثل هذا الاحتمال فيقبل منه ما لا يقبل من غيره من باب إحسان الظن فقد يكون اطلع على دليل جعله يحمله على ذلك، عرفه وخفي علينا، أما أن يرويه راو بإسناد، ويخالفه من هو أوثق منه فيرويه بإسناد، ثم نجمع بين الإسنادين بهذا الاحتمال، فهذا بعيد جدًّا، ولعل الذي حمل على قبول مثل هذا الاحتمال كون البخاري رواه عن ابن عمر معلقًا بصيغة الجزم، وهذا أراه لا يكفي، وما رواه البخاري بصيغة الجزم أكثره صحيح، ولا يمنع أن يوجد فيها ما يختلف فيه الاجتهاد بين طلاب العلم، والله أعلم.
(١) المصنف (٥٩٣٧)، ومن طريق عبد الرزاق رواه ابن المنذر في الأوسط (٥/ ٢٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>